وهذا مقتضٍ اقتضاءً مُلِحًا مُلْزمًا أن يكون التدبُّر للقرآن الكريم الذي هو فريضةٌ قائمًا في بلاغةِ كلِّ ما أُوحِي , ومنه موقعُ الكَلِمِ والجُمَلِ والآياتِ والمعاقدِ والسُّوَرِ
ومن ثمَّ فإنَّ البقاعيَّ يؤمنُ أنَّه من الفريضةِ تدبُّرُ ما يُمكِنُ أن تُسَمَِّيه في بيان البشر بالوحدة البيانية للنَّصِّ المبْنِيَّة على وِحْدَةِ المَقْصِدِ الكُلِّيِّ له ووحدة المَغْزَي الذي يرمي به إليه، وكلمة " المَغْزَى " من الكلمات الماجدة في هذا السياق، تكشف عن عظيم اجتهاد المُبِينِ من البشر بيانًا عاليا في سعيه إلى بلوغ غايته وقيامه قيام الغازي بجحافل كلمه ونظمه ونِغِمِهِ قلوب المتلقين الآسرها بما يملك من عتادِ الكلمةِ الساحرةِ، والمقيمَ في فسطاط القلوب مكنونَ معانيه التي هي وجوده الخالد بيانا، إذ يفنى وجوده الجسدي من بعد حينٍ ويبقى هو وجودًا بيانيا ما بقيت الحياة.
المُهِمُّ أنَّ القرآن الكريم كلَّه آتٍ إلى غاية عُظمى جاءت كلماته وآياته ومعاقده وسوره تتناسب وتتأخى للبلوغ إلى تلك الغاية وذلك المغزى، ولِتُوصِلَ إلى القلب المُعافَى من الاستكبار معانى الهدى إلى الصراط المستقيم المنتهى إلى رضوان المتكلم بهذا الكتاب الكريم- جل جلاله -
البقاعي في تدبره البيان القرآني الكريم إنَّما جعل تدبُّرَه مناطَه إعجازُه القائمُ في كلِّ جملةٍ من جُملِه وآيةً من آياتِه ومعقدٍ من معاقدِه وسورةٍ من سورِه
ذلك هو تناسب معاني بيانه ومبانيه، فذلك الإعجاز هو الروح السّاري في كلِّ وجوه الإعجاز القرآنيّ العديدة المديدة التى لاتتناهى ولايحاط بها فهي نعمة من نعم الله - عز وجل - التي لاتحصى
وهذا يغرينا بأن نسعى إلى إيجاز تبيان مفهوم تناسب البيان القرآني معنى ومبنى عند البقاعي ومستوياته ومجالاته، ثُم نبيّن معالم منهاجه في تدبر سمات هذا التناسب المعجز