فليس من شك في أن الالتفات إلى أبراز بعض وجوه تناسب بعض الآيات في تواليها أمر غير مستحدث على يدي "البقاعيّ" فهو مما تجده في غير قليلٍ من كتب التفسير من قبله، غير أنك تجد هذا فيها كالشذرات، ولا تجد من تنصرف عنايته إلى تحقيق المعنى الكليّ لكلِّ سورة من سور القرآن الكريم وتنصرف إلى العناية بتبيان تلاحم بل تناسل المعاني الكليَّة القائمة في معاقد السورة، وتناسل المعاني الجزيئة القائمة في جمل السورة وآياتها ولكنك الواجِدُ البقاعيَّ يفعل ذلك في كلّ سورة من سور القرآن الكريم.
المعلم الثاني.
علاقةُ اسمِ السُّورَةِ بمقصُودِها
لكلِّ سورة من سور القرآن الكريم اسم أوأكثر به تعرف منذ نزلت وإلى أن تقوم الساعة.
وللبقاعيّ عناية بتأويل تسمية السور، والغالب عليه أنه يذكر اسم السورة أو أسماءها من بعد بيانه مقصودها الأعظم ليبين وجه دلالة اسمها على مقصودها، فذلك من أصوله الذي صرح به في صدر تفسيره سورة الفاتحة من بعد أن ذكر القاعدة الكلية التي تعلمها من شيخه "المشدّالي" قائلا:
" وقد ظهر لي باستعمالى لهذه القاعدة بعد وصولي إلى سورة "سبأ" في السنة العاشرة من ابتدائي في عمل هذا الكتاب:
أنّ اسم كلّ سورة مترجم عن مقصودها؛ لأنّ اسم كلّ شيءٍ تظهر المناسبة بينه وبين مسماه عنوانه الدّال إجمالا على تفصيل ما فيه، وذلك هو الذي أنبأ به "آدم" - عليه السلام - عند العرض على الملائكة - عليهم الصلاة والسلام"(١)
وهذا قائم على أنَّ أسماء السور من المرفوع نسبه أو الموقوف اجتهادًا من الصحابة رضوان الله عليهم.
والبقاعي لم يصرِّحْ بمذهبه في ذلك، وإنْ دلَّ منهاجُ تاويلِه التسمية على أنه إلى الرفع أقرب منه إلى الوقف.