للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإذا ما أراد المتدبِّرُ العبورَ من " النظم التركيبي " إلى تأمل ربط الجمل أو الآيات ... بما جاء من بعد خفي عليه وجه ذلك، ورأى أن الجمل متباعدة الأغراض متنائية المقاصد، فظنَّ أنَّها متنافرة، فحصل له من القبض والكرب أضعاف ما حصل له بالسماع من الهزِّ والبسط، فربما شككه ذلك وزلزل إيمانه، وزحزح إيقانه، وربما وقف ذلك بكثير من المخالفين عن الدخول في هذا الدين " (١)

لنتجاوز شيئا ما عن مبالغة " البقاعي " في أثر الجهالة ببعض منازل " النظم الترتيبي " لننتهى إلى أنَّ " النظم الترتيبي" الذي هو الممثل لروح الكلام عنده يأتيه سمو أثره وصعوبة تأمله وإدراكه من خفائه وشموله وهيمنته على كل عنصر بحيثُ يحتاجُ المتدبرُ إلى رَحابةِ أفقٍ، وعمقِ فهمٍ، وبصيرةٍ وقدرةٍ على الاختزانِ الأمين لدقائقِ البيانِ، والتتبعِ الدقيقِ لكلِّ حركةً جزئيةٍ، فيرصدها ببصيرةٍ نافذةٍ؛ ليَحْظَى بالروح الممسكِ بكلِّ صغيرةٍ وكبيرةٍ وشاردةٍ بعد أن ألقت إليه قيادَها، وذلك أمرٌ صعبٌ مراسُه، ومنْ ثَمَّ كان مثيرًا للذَّةِ والمتعةِ فينا٠

*****

وهو يتخذ منهاجا في تدبره تناسب البيان القرآني المعجز، هذا المنهاج ذو معالم كليّه أرى حاجة إلى بيان بعضها، ولن يكون بياني بعض هذه المعالم بالموفي حق الكشف والبيان عن كثير مما يقوم في تفسير البقاعي.

***

إذا ما كان الذي مضي بيانا لمفهوم التناسب عن البقاعي ومستوياته ومجالته التي يتحقق فيها فإنّ البقاعيّ يتخذ هذا أساسًا لمنهاج تأويل بلاغة البيان القرآنيّ المعجز، تراه قائما في كلّ مرحلة من مراحل تأويله البيان القرآنيّ المعجز بمكنوناته ومكوناته: معنى ومبنى

وهذا المنهاج ذو سمات ومعالم عديدة آثرت أن أوجز القول في أهمها، وأن أشفع كل معلم منها بشيء من تأويله ليتبين لنا منه ما لم يسطع بياني أن يبين عنه، وهذه المعالم ضربان:

{الضرْب الأول} :


(١) – نظم الدرر: ج١ ص ١١

<<  <   >  >>