للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رأيت أنّها بدأت بأمر الإيحاء إلى النحل، وهذا في نفسه دليل على كمال العلم وكمال القدرة على الإيحاء لما شاء ومن شاء، وما أوحي إلى النحل فيه من العلم الذي يحقق لها أمنها وسعادتها في حياتها مما هو معلوم مشهور بين البشر مؤمنهم وكافرهم، فإذا كان هذا لا مرية فيه فإن الإيحاء إلى أفضل العالمين لايكون إلا بما هو أعظم تحقيقا لأمن العباد وسعادتهم في الدارين،ولا يفعل ذلك إلا إله واحد عالم قادر مختار منزه عن شوائب النقصان

إن تدبر حال النحل دالٌّ دلالة بيِّنة على أنّ الذي خلقها وأوحى إليها إنَّما هو الواحد العليم القدير المختار، فكانت هذه الآية وتلك النعمة من أقوى الأدلة على تقرير مقصود السورة، فإنّك لا تجد أحدًا ينازع فيما اختصت به النحل من خصائص مبهرة من أظهر سماتها العلم والنظام والقدرة على تحقيق المراد.

وتسمية السورة بسورة " النعم" يكتفي البقاعيّ في تأويله وتعليله بقوله:" وتسميتها بالنعم واضح في ذلك"

هذا الوضوح كوضوح تسميتها " النحل" إلا أن جهة الوضوح مختلفة: وضوح الدلالة في التسمية بالنحل مما عرف واشتهر عند العامة والخاصة من شأن النَّحل الذي أشرت إليه قبل

ووضوح تسميتها بالنّعم من كثرة ذكر النّعم والآلاء في هذه السورة وكان من سنة البيان عن هذه النعم نظمه على نحو دال على اختصاص الحَقِّ عزَّ وجلَّ بفعل ذلك من نحو قوله تعالى:

{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ} (النحل:١٠)

فمثل هذا التركيب: تعريف الطرفين " هو - الذي " مفيد للاختصاص فكأنَّه قيل: ما أنزل من السماء ماء إلا هو، هذا معنى من معاني " لا إله إلا الله" التي هي عنوان التوحيد والكمال المطلق

<<  <   >  >>