للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهو ذو عناية بالغة بتدبّر وتأويل علاقة مقطع تلاوة السورة بمطلع ترتيلها، والكشف لك عن معالم القربى بين المعنيين القائمين في المطلع والمقطع.

وقولنا:"معنيين" لايعنى اختلافهما اختلاف تفاصل بل يعنى تغايرهما في درجات الإبانة والتصوير والتَّصريف البيانيّ، وإلا فإنَّ في كلِّ معنًى كليًّا واحدًا مهيمنًا، فهما في عالم البيان القرآنيّ كمثل علاقة الولد البكرمخاضًا بشقيقه الأخير ميلادًا

وقد أشرت من قبل إلى أن قولنا (مطلع) نريد به مطلع التلاوة وقولنا (مقطع) نريد به مقطع الترتيل، فهما مصطلحان لايراد بهما علاقة المعاني ببعضهما بل منظور فيهما إلى شأن التلاوة والترتيل.

لم يدع "البقاعيّ" سورة من السور، وإن قلَّ عدد كلماتها وآياتها إلا وقد بيَّن لنا علاقة مطعها ترتيلا بمطلعها تلاوة، لافرق عنده في هذا بين أقصر سورة (الكوثر) وأطول سورة (البقرة)

وهو في تأويله لاينظر إلى المعنى الجمهوريّ للمطلع والمقطع بل ينظر إلى جوهر المعنى المرتبط بمحور السورة (مقصودها الأعظم) فإنَّ المعاني الجمهورية لآيات السورة قد لاتتراءى معالم تناسبها وتناسلها من المقصود الأعظم للنظر العابر، ولكن جوهر المعنى وروحه هو الذي يبصر المتدبر معالم التناسب بينها من جهةٍ , والتناسل من المقصود الأعظم من جهة أخرى

في تأويله ردَّ مقطع سورة"البقرة" على "مطلعها" يقول عند تأويل قول الله - سبحانه وتعالى - {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ) (البقرة: من الآية٢٨٥) :

"وأمَّا مناسبتها لأوَّلِ السورةِ ردَا للمقطع على المطلع، فهو أنَّه لمَّا ابتدأ السورة بوصف المؤمنين بالكتاب الذي لاريب فيه على الوجه الذي تقدَّمَ ختمها بذلك بعدَ تفصيلِ الإنفاق الذي وصفهمْ به أولها على وجه يتصلُ بما قبله من الأوامر والنواهي والاتصاف بأوصاف الكمال أشدَّ اتصال.

<<  <   >  >>