علينا أن نفرِّق بين دراسة المعنى نفسه من حيث هو, ودراسة الصورة الدالة عليه من حيث منهاج تأليفها، ودراسة صورة المعنى من حيث وجه دلالتها وطريق دلاتها على ذلك المعنى. كلّ دراسة لطريق دلالة الصورة على المعنى هي من علم البيان أيًّا كانت الصورة: تشبيهًا أو تقديمًا أو حذفًا، أو أمرًا أو نهيًا أو فصلاً ووصلاً أو تورية أو مطابقة أو تجنيسًا....إلخ ومن ثَمّ فإن علم البيان وسيع غير محصور في التشبيه والمجاز والكناية كما قد يتوهم بعض طلاب العلم، وما هذه الثلاثة: التشبيه والمجاز والكناية إلا أظهر وأشهر، ولكنها ليست بالمحصور فيها علم البيان. وعلم المعاني هو العلم الذي ينتهج النظر في المعاني من حيث هي، وفي تأليف الصور الدالة عليها فطريقة التأليف بين مكونات أسلوب الاحتباك أو اللف والنشر أو الاستخدام أو الالتفات أو التقييد والإطلاق أو التوكيد أو المقابلة أو المزاوجة أو حسن التقسيم وغيرذلك إنما هو من علم المعاني، فالفرق بين العلمين فرق في المنهج الذي يدرس به الأسلوب وليس فرقا في ذات الأساليب التى يدرسها كل علم، فلا يقال التقديم والحذف والفصل من علم المعاني وحده مثلما لايقال التشبيه من علم البيان أو الجناس وردّ الأعجاز من علم البديع، الأمر مرده إلى منهاج التناول والدرس، وليس إلى الأسلوب الذي يدرس فكل أسلوب يدرس في العلوم الثلاثة بمناهج ثلاثة لكلّ علم منهاجه