(٢) - ثَمَّ أمر ذو بالٍ في هذا متعلق بالقول بالتجوز في بعض كلمات القرآن الكريم أو تراكيبه يظن أنَّ دلالته على ما كان حسيًّا من معانيه دلالة حقيقية، وما كان معنويا منها كانت دلالته مجازية، كمثل ما هنا، وكمثل العمى في قول الله تعالى: ((ومنْ كانَ فِي هذِه أعْمَى فَهُوَ فِي الآخرة أَعْمَى..)) (الإسراء:٧٣)
وهذا مرده عند القائلين به حسبانهم أن الإنسان الأول لم يكن يستخدم الكلمات إلا في الدلالة الحسية، فلمَّا ارتقى حضاريًّا أدرك المعنويات فاستعار لها من ألفاظ ما يشابهها في المحسوسات ... هذا حسبان ضِلِّيلٌ: إنّ الإنسان الأول في هدي الكتاب والسنة إنما هو آدم أبو البشر، وهو نبيّ خلقه الله تعالى بيده وعلَّمه الأسماء كلها وأسكنه الجنة نموذج الجمال الحسيّ والمعنوي، فلم يكن يومًا غافلا عن الدلالات المعنوية للكلمات. إن الكلمات لتتسع دلالتها لكثير من المدلولات الحسية والمعنية دون مفاضلة بتقديم أو سبق وضع أو غير ذلك، وإن تفاوتت درجات الوضوح في الدلالة على هذه المدلولات، وليس تفاوتا وضعيًّا، فليست دلالة كلمة "العمى" على فقد عين القلب (البصر) القدرة على إدراك المحسوسات هي الدلالة الحقيقية الوضعية ودلالتها على فقد عين القلب (البصيرة) على إدراك المعنويات هي الدلالة المجازية للمشابهة، كلاّ كلمة العمى دالة على فقد القدرة على رؤية الأشياء والرؤية نوعان رؤية لمحسوس الأشياء وهذا لعين الرأس (البصر) والرؤية لمعنويها وهذا لعين القلب (البصيرة) من فقد أيَّهما فهو أعمى حقيقة لامجازًا