للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الخوارج والمعتزلة.

ولا نقول: لا يكفر، بل العدل هو الوسط، وهو أن الأقوال الباطلة المبتدعة المحرمة المتضمنة نفي ما أثبته الرسول أو إثبات ما نفاه أو الأمر بما نهى عنه أو النهي عما أمر به يقال فيها الحق ويثبت لها الوعيد الذي دلت عليه النصوص، ويبين أنها كفر، ويقال: من قالها فهو كافر، ونحو ذلك كما يذكر من الوعيد في الظلم في النفس والأموال ... ". (١)

وهذا التفريق بين الكفر ومرتكبه طبقه السلف الصالح من أهل السنة والجماعة في واقعهم مع أشد مخالفيهم قسوة وظلماً، فالقول بخلق القرآن وغيره مما قاله المعتزلة كفر لا يلزم منه كفر قائله، يقول شارح الطحاوية: "وكما قد قال كثير من أهل السنة المشاهير بتكفير من قال بخلق القرآن، وأن الله لا يرى في الآخرة، ولا يعلم الأشياء قبل وقوعها، وعن أبي يوسف رحمه الله أنه قال: ناظرت أبا حنيفة رحمه الله مدة حتى اتفق رأيي ورأيه أن من قال بخلق القرآن فهو كافر ". (٢)

وعلى الرغم من اتفاق بل إجماع أهل السنة على كفر القول بخلق القرآن (٣) فإنهم لم يقولوا بكفر معين ممن شارك في فتنة خلق القرآن، يقول شيخ الإسلام: " كان الإمام أحمد يكفِّر الجهمية المنكرين لأسماء الله وصفاته، لأن مناقضة أقوالهم لما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - ظاهرة بينة ... لكن ما كان يكفر أعيانهم ... ومع هذا فالذين كانوا من ولاة الأمور يقولون بقول الجهمية، ويدعون الناس إلى ذلك ويعاقبونهم، ويكفرون من لم يجبهم، ومع هذا فالإمام أحمد ترحم عليهم، واستغفر لهم، لعلمه بأنهم لمن يبين (٤) لهم أنهم مكذبون للرسول، ولا جاحدون لما جاء به، ولكن تأولوا فأخطأوا، وقلدوا من قال لهم ذلك". (٥)

ويقول: " التكفير له شروط وموانع، قد تنتفي في حق المعين، وأن تكفير المطلق لا يستلزم تكفير المعين، إلا إذا وجدت الشروط، وانتفت الموانع، يبين


(١) شرح العقيدة الطحاوية (٣١٨).
(٢) المصدر السابق (٣١٨).
(٣) نقل ذلك غير واحد من أهل العلم. انظر: معارج القبول (١/ ٢٦٩).
(٤) هكذا في الأصل، والصحيح: (لم يتبين).
(٥) مجموع الفتاوى (٢٣/ ٣٤٩).

<<  <   >  >>