للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

هذا أن الإمام أحمد وعامة الأئمة الذين أطلقوا هذه العمومات، لم يكفروا أكثر من تكلم بهذا الكلام بعينه". (١)

ثم ذكر شيخ الإسلام مثلاً آخر، وهو صنيع الشافعي، يقول: "وكذلك الشافعي لما قال لحفص الفرد - حين قال: (القرآن مخلوق) -: كفرتَ بالله العظيم، بيّن له أن هذا القول كفر، ولم يحكم بردة حفص بمجرد ذلك، لأنه لم يتبين له الحجة التي يكفر بها، ولو اعتقد أنه مرتد، لسعى في قتله، وقد صرح في كتبه بقبول شهادة أهل الأهواء والصلاة خلفهم". (٢)

وطبق ابن تيمية رحمه الله هذا المسلك الأصيل عند علمائنا، فكان في محنته يقول للجهمية الحلولية والنفاة الذين نفوا أن الله تعالى فوق العرش: " أنا لو وافقتكم كنت كافراً، لأني أعلم أن قولكم كفر، وأنتم عندي لا تكفرون، لأنكم جهال، وكان هذا خطاباً لعلمائهم وقضاتهم وشيوخهم وأمرائهم". (٣)

ومما سبق يتبين وجوب التفريق بين الحكم المطلق والحكم على معين، فلئن كان رسول الله لعن بإطلاق شارب الخمر، فإنه - صلى الله عليه وسلم - نهى عن لعن معين من أصحابه شربها، ولئن كفر العلماء بإطلاق القائل بأن القرآن مخلوق، فإنهم امتنعوا عن تكفير آحاد القائلين به، إذ قد يتخلف تحقق الوعيد العام لأعذار قامت في المعين أو لغيرها من الموانع، وهذا الحكم يسري على سائر المكفرات.


(١) مجموع الفتاوى (١٢/ ٤٨٧ - ٤٨٨).
(٢) مجموع الفتاوى (٢٣/ ٣٤٩).
(٣) الرد على البكري (٤٩٤/ ٢).

<<  <   >  >>