للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قد يجهل مثل ذلك، فلا يكون كافراً". (١)

قال ابن القيم: " وأما من جحد ذلك جهلاً، أو تأويلاً يعذر فيه صاحبه: فلا يكفر صاحبه به، كحديث الذي جحد قدرة الله عليه، وأمر أهله أن يحرقوه ويذروه في الريح، ومع هذا فقد غفر الله له، ورحمه لجهله، إذ كان ذلك الذي فعله مبلغ علمه ولم يجحد قدرة الله على إعادته عناداً أو تكذيباً". (٢)

ودليل آخر على عذر الجاهل في قصة الليثيين الذين أكذبوا النبي - صلى الله عليه وسلم -، فعذرهم - صلى الله عليه وسلم - لفرط جهلهم وبداوتهم.

والقصة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث أبا جهم بن حذيفة مصدقاً فلاجّه رجل في صدقته، فضربه أبو جهم فشجه، فأتوا النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: القود يا رسول الله. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لكم كذا وكذا، فلم يرضوا، فقال: لكم كذا وكذا، فلم يرضوا، فقال: لكم كذا وكذا)). فرضوا.

فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إني خاطب العشية على الناس ومخبرهم برضاكم)) فقالوا: نعم. فخطب رسول الله فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((إن هؤلاء الليثيين أتوني يريدون القود، فعرضت عليهم كذا وكذا، فرضوا، أرضيتم؟)) قالوا: لا.

فهمّ المهاجرون بهم، فأمرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يكفوا عنهم، فكفوا ثم دعاهم فزادهم فقال: ((أرضيتم)) فقالوا: نعم.

قال: ((إني خاطب على الناس ومخبرهم برضاكم)) قالوا: نعم.

فخطب النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((أرضيتم؟)) قالوا: نعم. (٣)

قال ابن حزم: "وفي هذا الخبر عذر الجاهل، وأنه لا يخرج من الإسلام بما لو فعله العالم الذي قامت عليه الحجة لكان كافراً، لأن هؤلاء الليثيين كذّبوا النبي - صلى الله عليه وسلم -، وتكذيبه كفر مجرد بلا خلاف، لكنهم بجهلهم وأعرابيتهم عذروا بالجهالة، فلم يكفروا ". (٤)


(١) مجموع الفتاوى (١١/ ٤١١).
(٢) مدارج السالكين (١/ ٣٣٨ - ٣٣٩).
(٣) رواه أبو داود ح (٤٥٣٤)، ابن ماجه ح (٢٦٣٨)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود ح (٣٨٠١).
(٤) المحلى (١٠/ ٤١٠ - ٤١١).

<<  <   >  >>