للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ماذا تتنفس وتتأسف؟ فقال: ما تأسفي على البقاء في الدنيا, ولكن تأسفي على ليلة نمتها, ويوم أفطرته, وساعةٌ غفلت فيها عن ذكر الله تعالى، وقيل لأبي مسلم الخولاني حين كبر ورق .. لو قصرت عن بعض ما تصنع, فقال: أرأيتم لو أرسلتم الخيل في الحلبة, ألستم تقولون لفارسها .. دعها وارفق بها حتى إذا رأيتم الغاية لم تستبقوا منها شيئًا؟ وغاية كل ساعة الموت فسابق ومسبوق (١).

ما أكثر الذين يأخذون من التسويف شعاراً, يمكنونه من قلوبهم, حتى تقطعت آمال وانقطعت آجال .. فإن يوم العاجزين غَدٌ, وصاحب الهمة لايعرف يوم العاجزين, لأن الحقوق مرتبطة بزمانها, والواجبات أكثر من الأوقات, والتسويف تفويت لحق لزمه, وتضييع لواجب غده.

اعلم أن من له أخوان غائبان, وينتظر قدوم أحدهما في غدٍ , وينتظر قدوم الآخر بعد شهر أو سنة فلا يستعد للذي يقدم إلى شهر أو سنة, وإنما يستعد للذى ينتظر قدومه غدًا, فالاستعداد نتيجة قرب الانتظار, فمن انتظر مجيء الموت بعد سنة اشتغل بالمدة ونسي ماوراء المدة. ثم يصبح كل يوم وهو منتظر للسنة بكمالها لاينقص منها اليوم الذي مضى , وذلك يمنعه من مبادرة العمل أبداً فإنه أبداً يرى لنفسه متسعاً في تلك السنة فيؤخر العمل (٢)


(١) صفة الصفوة ٤/ ٢٠٩.
(٢) سوانح وتأملات ٤٦.

<<  <   >  >>