للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أما ما عزاه لمالك من القول بضرب المتهم، فقد تقم قريباً إبطال نسبة ذلك له.

فإن حصل في النادر إصابة بريء بالتعزير، فيغتفر ذلك، لأنه حينئذ من باب تقديم مصلحة عامة هي مصلحة حفظ المال التي هي مقصود شرعي عرف اعتبار الشرع له من استقراء نصوصه على مصلحة خاصة هي صون المتهم أن يصيبه تعزير وهو بريء.

وفي هذه الحال، تقدم المصلحة العامة على الخاصة، كما في تضمين الصناع، فإن وقع التعزير على بريء اغتفر كما صرح به الشاطبي١، فقد ظهر أنهم قالوا بهذا على أنه مصلحة ملائمة لتصرفات الشارع، لا أنه من باب الغريب الذي يعد القول به قولاً بالرأي، وتشريعاً بالهوى والتشهي، لأن تقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة أصل شهدت له نصوص الشرع وقواعده العامة بطريق الاستقراء المفيد للقطع.

ولذا فإن الغزالي مع شدة إنكاره على المالكية في أخذهم بهذه المصلحة، ومنعه الأخذ بها على أساس أنها مصلحة تتعلق بحفظ المال فإنه إنما يمنع اعتبارها، لكونها مصلحة موهومة معارضة بمصلحة محققة تقابلها هي حفظ نفس معصومة، وعصمتها تقتضي صونها عن الضياع وحفظ النفوس مقدم على حفظ المال، لدلالة نصوص الشرع على ذلك، فإنه لا يقطع بخطأ مالك حيث يقول: "هذه المصلحة غير معمول بها عندنا، وليس "ذلك" لأنا لا نرى اتباع المصالح، ولكن لأنها لما لم تسلم عن المعارضة بمصلحة تقابلها"٢، فلم ير الأخذ بها.

ويقول: "وعلى الجملة: هذه المسألة في محل الاجتهاد، ولسنا نحكم ببطلان مذهب مالك رحمه الله على القطع، فإذا وقع النظر في تعارض المصالح كان ذلك قريباً من النظر في تعارض الأقيسة التي ذكرناها"٣.


١ انظر: الاعتصام ٢/١٢٠.
٢ انظر: شفاء الغليل ص ٢٢٩.
٣ انظر: شفاء الغليل ص ٢٣٤.

<<  <   >  >>