الفصل الخامس في ذكر أدلة مذهب القاضي ومن وافقه ومناقشتها
استدل أهل المذهب الثاني القائلون بمنع الأخذ بالوصف المناسب المرسل مطلقاً بما يأتي:
الأول: ما ذكره الغزالي "أن القاضي أبا بكر تمسك به في نفي اعتبار المناسب المرسل حيث قال أنه تمسك بثلاثة مسالك:
المسلك الأول: أن الاستدلال لو قيل به لصارت الشريعة فوضى بين العقلاء يتجاذبون بظنونهم أطرافها من غير التفات إلى الشريعة والنبي صلى الله عليه وسلم إنما بعث ليدعوا الناس إلى أتباعه في قوله والمفهوم من قوله من المصالح، فأما ما يعين ابتداء، ولم يفهم منه فما بعث الشارع للدعاء إليه.
الثاني: أن المستدل إن لاحظ مصالح الشريعة فهو صحيح، وإن أضرب عنها فهو شارع تحقيقاً فيطالب بالمعجزة، فإنه افتتح أمراً لا مستند له في الشرع مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان خاتم النبيين، فكيف يفتتح بعده شرع؟
الثالث: إن قال: إذا وجب اتباع المصالح لزم تغيير الأحكام عند تبدل الأشخاص، وتغيير الأوقات، واختلاف البقاع عند تبدل المصالح وهذه تفضي إلى تغيير الشرع بأسره، وافتتاح شرع آخر لم يثبت من الشارع وهذا محال، أو أنهم يقولون نحن مع المصالح بشرط أن لا نهجم على نص الرسول صلى الله عليه وسلم بالدفع"١.
ومقتضى كلامه رحمه الله أن اعتبار الوصف المرسل يلزم عليه إحداث شرع جديد وإحداث شرع جديد باطل بالإجماع، لكون النبي صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء، وشريعته خاتمة الشرائع.