للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن المعلوم أن الحاجة العامة في حق عامة الناس تتنزل منزلة الضرورة في حق الفرد لما تقدم عن السرخسي في قوله في الاستحسان: "إنه ترك العسر لليسر" ثم يقول: أنه أصل قطعي في الدين الخ.

ويدل له أيضاً ما قاله ابن نجيم١ ونصه: "الحاجة تنزل منزلة الضرورة عامة كانت أو خاصة، ولهذا جوزت الإجارة على خلاف القياس للحاجة.

ولذا قلنا: لا يجوز إجارة بيت بمنافع بيت لاتخاذ جنس المنفعة فلا حاجة، بخلاف ما إذا اختلف، ومنها ضمان الدرك٢ جوز على خلاف القياس.

ومن ذلك جواز السلم٣ على خلاف القياس، لكونه بيع المعدوم دفعاً لحاجة المفاليس٤ ومنها جواز الاستصناع للحاجة، ودخول الحمام مع جهالة مكثه فيها، وما يستعمله من مائها وشربة السقاء، ومنها الإفتاء بصحة بيع الوفاء حين كثر الدين على أهل بخارى وهكذا بمصر، وقد سموه بيع الأمانة والشافعية يسمونه الرهن المعاد٥، فكلام ابن نجيم هنا ظاهر في أنه أطلق تنزيل الحاجة منزلة الضرورة سواء كانت عامة أو خاصة، والمعروف هو أنه إنما تنزل الحاجة منزلة


١ هو: زين الدين بن إبراهيم بن محمد المشهور بابن نجيم، العالم الفقيه المصري، الحنفي، الأصولي، له مؤلفات تدل على عزارة علمه وتدقيقه، منها: الأشباه والنظائر في قواعد الفقه، ومنها في الأصول: شرح المنار، ولب الأصول، توفي سنة ٩٧٠هـ.
انظر: الفتح المبين في طبقات الأصوليين ٣/٧٨، الأعلام للزركلي ٣/١٠٤.
٢ الدرك التبعة، وضمان الدرك هو أن يقول كفيل لمن يريد شراء سلعة أنا ضامن لك ثمن المبيع إن استحقه أحد، مع جواز أن يظهر استحاق بعضه أو كله.
ووجه مخالفته للقياس هو أنه ضمان بالمجهول.
انظر: فتح القدير شرح الهداية ٧/١٨١، والعناية بأسفله ٧/١٨٢.
٣ السلم بفتحتين السلف، وزناً ومعنى، والسلف لغة أهل العراق، والسلم لغة أهل الحجاز، وهو في اصطلاح الشرع بيع موصوف في الذمة إلى أجل معين بثمن معجل، وهو نوع من البيع، يعتبر فيه من الشروط ما يعتبر في البيع وينعقد بما ينعقد به.
انظر: فتح الباري شرح صحيح البخاري ٤/٤٢٨، المغني لابن قدامة ٤/٢٤٦.
٤ جمع مفلس، وهو من لا فلوس له، لانتقاله من حال اليسر إلى حال العسر.
انظر: المصباح المنير ٢/١٣٧.
٥ انظر: الأشباه والنظائر ص ٩١ - ٩٢.

<<  <   >  >>