للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

معاذاً رضي الله عنه، والاجتهاد معنى عام شامل لاستنباط الأحكام بطريق القياس، كما يشمل استنباطه بطريق فهمه من مقاصد الشرع، والنظر في أدلته الإجمالية، وهذا هو المعبر عنه بالمصلحة المرسلة، وكلا الأمرين مفيد للحكم.

ولذا أجمع الصحابة على العمل بها اعتماداً على الإذن لهم في الاجتهاد الشامل بها، ويدل لهذا ما صرح به الغزالي ونصه: "إن معاذ بن جبل قال: "أجتهد رأيي" حيث قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم "فإن عدمت النص"؟ فأثنى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وإعدام النص يشعر بإعوازه، وإعوازه المفهوم عنه، واجتهاد الرأي مشعر باتباع قضية النظر في المصلحة، ولم يكلفه الشارع ملاحظة النصوص معه"١.

الثاني: قال الغزالي: "وكون هذه المعاني عرفت بلا دليل واحد، بل بأدلة كثيرة لا حصر لها من الكتاب والسنة وقرائن الأحوال، وتفاريق الأمارات، تسمى لذلك مصلحة مرسلة.

وإذا فسرنا المصلحة بالمحافظة على مقصود الشرع، فلا وجه للخلاف في اتباعها، بل يجب القطع بكونها حجة، وحيث ذكرنا خلافاً فذلك عند تعارض مصلحتين ومقصودين، وعند ذلك يجب ترجيح الأقوى"٢.

وما ذهب إليه هنا من أن اعتبار المصلحة المرسلة عرف لا بدليل واحد، بل بأدلة كثيرة، وأن ذلك يفيد القطع، هو ما ذكره الشاطبي أيضاً على ما سنقرره قريباً، ولعل الشاطبي اتبع الغزالي في حيث قال: "إنما الأدلة هنا المستقرأة من جملة أدلة ظنية تضافرت على معنى واحد، حتى أفادت فيه القطع، فإن للإجماع من القوة ما ليس للافتراق، ولأجله أفاد التواتر القطع، وهذا نوع منه.

فإذا حصل من استقراء أدلة المسألة مجموع يفيد العلم، فهو الدليل المطلوب، وشبيه بالتواتر المعنوي، بل هو كالعلم بشجاعة علي رضي الله عنه،


١ انظر: المنخول ص ٣٥٨، والحديث أخرجه أبو داود في سننه ٢/٢٧٢.
٢ انظر: المستصفى ١/٣١١.

<<  <   >  >>