للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم أوضح أن هذا يدل على اعتبار المصلحة المرسلة، مما يدل أنه تبع فيه الغزالي حيث قال: "وينبني على هذه المقدمة أن كل أصل شرعي لم يشهد له أصل معين، وكان ملائماً لتصرفات الشارع، ومأخوذاً معناه من أدلته، فهو صحيح يبنى عليه، ويرجع إليه إذا كان الأصل قد صار بمجموع أدلته مقطوعاً به، لأن الأدلة لا يلزم أن تدل على القطع بالحكم بانفرادها دون انضمام غيرها إليها، كما تقدم، لأن ذلك كالمتعذر، ويدخل تحت هذا ضرب الاستدلال المرسل الذي اعتمده مالك والشافعي، فإنه وإن لم يشهد للفرع أصل معين، فقد شهد له أصل كلي، والأصل الكلي إذا كان قطعياً قد يساوي الأصل المعين، وقد يربى عليه بحسب قوة الأصل المعين وضعفه، كما أنه قد يكون مرجوحاً في بعض المسائل، حكم سائر الأصول المعينة المتعارضة في باب الترجيح"١.

وواضح من كلام الشاطبي هنا أنه يسير على نهج الغزالي، إذ أن ما ذكره هنا لا يعدو أن يكون كالشرح لما ذكره الغزالي، ولا يهمني هنا بيان وجه الخلاف والوفاق بينهما في الطريقة التي سلكاها في هذا الموضوع، وإنما الذي يهمني هو أنهما اتفقا على أن اعتبار المصلحة المرسلة ثابت بالاستقراء من أدلة الشرع في الجملة بما يشبه التواتر المعنوي، حيث شهدت لها أصول الشريعة وقواعدها العامة، وإن لم يشهد لاعتبارها نص معين.

وعلى هذا يكون الغزالي قائلاً بالمرسل ما لم تكن المصلحة فيه تحسينية، شأنه في ذلك شأن غيره من الأئمة إلا ما تقدم أنه يشترط في المصلحة أن تكون حديثة بمعنى أنه لم يقع مثلها في زمن الصحابة رضي الله عنهم ... الخ.

ولذا فهو يقول: "كل معنى مناسب للحكم مطرد في أحكام الشرع لا يرده أصل مقطوع به، مقدم عليه من كتاب أو سنة أو إجماع، فهو مقبول وإن لم يشهد له أصل معين"٢، والله تعالى أعلم.


١ انظر: الموافقات ١/٣٩ - ٤٠.
٢ انظر: المنخول ص ٣٦٤.

<<  <   >  >>