للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويوضح وجه دلالة الآيتين على ذلك بالوجوه التي ذكرها، مقرراً بعدها أن الشرع راعى مصلحة المكلفين، واهتم بها، وإنا لو استقرينا أدلة الشرع لوجدنا على ذلك أدلة كثيرة، ثم لا يكتفي بهذا القدر من الاستدلال على اهتمام الشارع برعاية المصلحة، بل يعود مرة أخرى ويقرر أن أفعال الله تعالى معللة بمصالح العباد تفضلاً منه على خلقه، واجبة عليه بالتفضل، لا بالوجوب عليه، وإنه حيث راعى مصالحهم راعى في كل محل ما يصلحهم، وينتظم به حالهم، ويخلص من تفصيل الاستدلال على ذلك إلى أنه "من المحال أن يراعى الله عز وجل مصلحة خلقه في مبدئهم ومعادهم، ومعاشهم ثم يهمل مصلحتهم في الأحكام الشرعية، إذ هي أعم فكانت بالمراعاة أولى، لأنها أيضاً من مصلحة معاشهم، إذ بها صيانة أموالهم، ودمائهم وأعراضهم، ولا معاش بدونها، فوجب القول بأنه راعاها لهم وإذ ثبت رعايته إياها لم يجزاهما لها بوجه من الوجوه"١.

وما ذكره هنا صحيح جملة وتفصيلاً، غير أنه من العجيب أن يتبعه بقوله: "فإن وافقها النص والإجماع وغيرهما من أدلة الشرع، فلا كلام، وإن خالفهما دليل شرعي وفق بينه وبينها بما ذكرناه من تخصيصه بها، وتقديمها بطريق البيان"٢.

ووجه العجب أنه قد حكم بأن إهمال الشارع للمصلحة محال، ثم فرض أن أدلته قد تصادمها، ورتب على هذا الفرض حكماً، وهو تقديمها عليه عند عدم إمكان الجمع، لأنها أقوى من النص والإجماع وغيرهما من أدلة الشرع، وإذا كانت رعاية المصلحة قد ثبتت بأدلة الشرع بالحد الذي حمل الطوفي على تقرير أن الشارع لم يهملها، فكيف يسوغ له أن يفترض بعد هذا أن النص قد يعارضها؟ وكيف يبنى على هذا الافتراض، وهو أساس موهوم في رعاية المصلحة؟

إنه قد ثبت ما لا يقبل الشك أن الشارع قد راعى المصلحة في أدلته جميعاً: أما الكتاب، فلأنه ما من آية منه إلا تشتمل على مصلحة أو مصالح.


١ انظر: شرح الأربعين النووية ملحق رسالة المصلحة في التشريع الإسلامي ص ٢١٧ - ٢١١.
٢ انظر: شرح الأربعين النووية ملحق رسالة المصلحة في التشريع الإسلامي ص ٢١٧.

<<  <   >  >>