وهكذا اشتملت شروط الحديث الصحيح على اختبار الحديث سَنَدًا وَمَتْنَا من جميع جوانب البحث، واتضح بطلان ما وقع في كلام بعض المستشرقين من ادعائهم أن المُحَدِّثِينَ ينظرون في نقدهم للحديث إلى الشكل فقط، فقد تبين من هذا البحث الموجز كيف احتاج الحكم بتصحيح الحديث إلى أعمال كل قواعد المصطلح، وأن هذه القواعد تُعْنَى بدراسة المضمون «المتن» من جميع الجهات كما تُعْنَى بدراسة السند أيضًا.
وقد أصبح هذا الشرح والفهم العميق الكلي للحديث الصحيح مُيَسَّرًا بنتيجة ما وُفِّقْنَا إليه بفضل الله تعالى من التوصل إلى صياغة هذا العلم صياغة جديدة تدرس قواعده في شكل نظرية نقدية متكاملة، تتآلف فيها أنواع علوم الحديث، وتدرس كل مجموعة من المجموعات التي سبق أن ذكرناها في باب مستقل، بعد أن كانت مفرقة مختلطة ببعضها وتنتقل بقواعد هذا العلم من التجزىء إلى التكامل، ومن المسائل المتفرقة التي قَدْ يُظَنُّ أَنَّهَا وُضِعَتْ دُونَ غَايَةٍ إلى النظرية المتناسقة التي تجلو دقة علم المصطلح وشموله (١) وقد أبرزنا ذلك ههنا في شرح تعريف الصحيح بإجمال يُلْقِي ضَوْءًا على الفكرة العامة لهذه النظرية، ويوضح في نفس الوقت دقة علماء الحديث في هذه الشروط التي جعلوها دليلاً على صحة الحديث وأن رواته أَدُّوهُ كَمَا سَمِعُوهُ.
وذلك أن العدالة والضبط يحققان أداء الحديث كَمَا سُمِعَ مِنْ قَائِلِهِ، واتصال السند على هذا الوصف، في الرواة يمنع اختلال ذلك في أثناء السند، فهذه الشروط الثلاثة حققت سلامة الحديث من القوادح
(١) وقد شرحنا ذلك مفصلاً في كتابنا " منهج النقد في علوم الحديث " فارجع إليه لزامًا.