للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وعموماً لتعلم أخي المسلم أنك إذا كنت لا تُعين على معصية العصاة ولا تشهد مجالسهم وتنكر معاصيهم بقلبك وإذا جالستهم كانت المجالسة في غير معصية بحكم العمل أو الرحم أو الحاجة أو نحو ذلك وتواكلهم وتشاربهم وتمازحهم دون حد يوصل إلى إقرارهم أو مشاركتهم في باطلهم وأديت حق النصيحة لهم فلا ينالك شيء من شؤم معاصيهم بإذن الله , بل مجالسة العصاة أثناء معصيتهم على سبيل النصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة مع أمن التضرر والتأثر بهم والانجرار إلى المعاصي بسببهم فهي مما يُندب وقد تجب كالمخالطة التي لابد منها لبر الوالدين , وعلى هذا فمخالطة الناس مع الصبر على أذاهم من أجل وعظهم والسعي في هدايتهم ودعوتهم للخير من أجل الطاعات وأعظم القربات , بل ويُشرع مجالسة أهل المنكر حال تلبسهم بالمنكر لمصلحة شرعية راجحة كأن يترتب على الذهاب إزالة تلك المنكرات أو تخفيفها أو لضرورة أو للدعوة إلى الله , وبعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يضر المُحسن معصية العاصي , والإنكار القلبي مع الابتعاد وهجر العصاة المأمور بهجرهم وهجر مكان المعصية كفيل بالسلامة من تبعة شؤم المعصية لكن هجر العصاة يحتاج إلى تفصيل وليس هذا محله.

خامساً: ينبغي التفريق بين البغض في الله وكراهة المنكر وبين أداء الحقوق والواجبات وحسن الخلق, ووقوع بعض من له حق عليك بالمنكر لا يمنع من إعطائه حقوقه, وأداء هذه الحقوق تكون إما على سبيل الوجوب كحق البر للوالدين ومصاحبتهم في الدنيا معروفاً وحق معاشرة الزوجة الكتابية بالمعروف مادامت في عصمتك أو على سبيل الاستحباب كحق الصلة للأقارب وحق الجوار للجيران.

أما مارُوي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (لما وقعت بنو إسرائيل في المعاصي نهتهم علماؤهم فلم ينتهوا فجالسوهم وآكلوهم وشاربوهم، فلما رأى الله ذلك منهم ضرب قلوب بعضهم ببعض ثم لعنهم على لسان أنبيائهم داود وعيسى ابن مريم: ذلك بماعصوا وكانوا يعتدون ـ وفي لفظ آخر: (أوَل مادخل النقص على بني إسرائيل أن الرجل كان يلقى الرجل فيقول يا هذا اتق الله ودع ما تفعل من المعاصي ثم يلقاه في الغد فلا يمنعه مارآه منه أن يكون أكيله وشريبه وقعيده، فلما رأى الله ذلك منهم ضرب قلوب بعضهم على بعض (.

فإن هذا الحديث ضعَفه الشيخ الألباني والشيخ ابن عثيمين ـ رحمهما الله ـ ومعلوم بأن الحديث الضعيف لا يُعمل به في الأحكام وأما معنى الحديث على فرض صحته: فالمقصود إنكار مخالطتهم وقت المعصية كما يدل له قوله صلى الله عليه وسلم: ثم يلقاه من الغد وهو على حاله. وعلى هذا فلا يجوز للمسلم أن يُجالس العاصي والمُبتدع ويكون أكيله وشريبه وهو على معصية إلا مع الإنكار عليه فيُنكر عليه

<<  <   >  >>