للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله: {إِبْرَاهِيمَ} هو نبي الله إبراهيم، الذي جعله الله للناس إماماً، وشهد له شهادته بالوفاء {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (٣٧)} [النجم: آية ٣٧] {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً} [البقرة: آية ١٢٤] وقيل لنبيّنا: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيم} [النحل: آية ١٢٣] وقيل له هنا: {قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّهُ مِلَّة إبراهيم.

وهنا سؤال معروف، وهو أن يقول طالب العلم: دلت هذه الآيات على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أُمر أن يتبع ملة إبراهيم، والمتبوع أفْضَل مِنَ التابع، فإذاً قد يكون إبراهيم أفضل من النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، حيث أمر باتباعه (١)؟

والتحقيق أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سيد الخلق، وأفضل البشر، وأفضل من خلق الله، وأفضل من إبراهيم، ومن عامة الرسل، وسيظهر فضله على الرسل يوم القيامة، وقد ظهر ذلك فيما مضى؛ لأنه (صلوات الله وسلامه عليه) ليلة الإسراء لما اجتمع بالرسل -أرْوَاحُهُمْ مُجَسَّدَة بصور أجسادهم- وخاطبوه وكَلَّمَهُمْ، ارْتَفَعَ حَتَّى بَلَغَ مقاماً أعلى من مقاماتهم، ولما نزل إلى الأرض في بيت المقدس، في محل مبعث الرسل وديارهم صار إماماً للجميع بإشارة من جبريل (٢)،


(١) راجع ما تقدم عند تفسير الآية (٩٠) من سورة الأنعام.
(٢) حديث الإسراء والمعراج مستفيض مشهور مُخَرَّج في الصحيحين وغيرهما، وقد رواه جماعة من الصحابة، أما صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - بالأنبياء فذلك ثابت في صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب: ذكر المسيح ابن مريم، حديث رقم: (١٧٢)، (١/ ١٥٦ - ١٥٧).
وأما ما روي من تقديم جبريل للنبي - صلى الله عليه وسلم - ليؤمهم في الصلاة فهو عند ابن سعد في الطبقات (١/ ١٤٣ - ١٤٤) وابن عساكر في تاريخ دمشق (مختصر ابن منظور ٢/ ١٢٩ - ١٣٠) من حديث ابن عمر، وأم سلمة، وعائشة، وأم هانئ، وابن عباس (رضي الله عنهم) (دخل حديث بعضهم في بعض). وانظر الدر المنثور (٤/ ١٤٩).
وساق في الدر (٤/ ١٥٤) عن علي (رضي الله عنه) بنحو هذا المعنى، وعَزَاه للبزار، وأورد (٤/ ١٥٤) من رواية ابن الحنفية نحوه -أيضاً- وعزاه لأبي نعيم في الدلائل.
وقد ورد هذا المعنى في حديث أنس عند النسائي في الصلاة، باب: فرض الصلاة.
حديث رقم: (٤٥٠)، (١/ ٢٢١ - ٢٢٢)، قال ابن كثير (٣/ ٥ - ٦) من التفسير: «وفيها -أي الرواية- غرابة ونكارة جدّاً».
كما أورد ابن كثير (٣/ ٦ - ٧) رواية عند ابن أبي حاتم تدل على ما سبق، وعقبها ابن كثير بقوله: «هذا سياق فيه غرائب عجيبة» اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>