للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقولُه: {يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ} في هذه الآيةِ سؤالٌ معروفٌ، وهو أن يقولَ طالبُ العلمِ: ما الفائدةُ وما الحكمةُ في قولِه: {بِجَنَاحَيْهِ} ومعلومٌ أن الطائرَ لا يطيرُ إلا بِجَنَاحَيْهِ؟

الجوابُ عن هذا السؤالِ عندَ العلماءِ مِنْ أَوْجُهٍ منها (١): أن القرآنَ نزلَ بلغةِ العربِ، وَمِنْ عادةِ العربِ هذا النوعُ من التوكيدِ، نحو: (قال لي هذا بِفِيهِ)، و (مَشَى إِلَيَّ بِرِجْلِهِ)، ومنه في القرآنِ: {يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ} [البقرة: آية ٧٩] ومعلومٌ أنهم لا يَكْتُبُونَهُ إلا بأيديهم، وكقولِه: {يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم} [آل عمران: آية ١٦٧] {يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِم} [الفتح: آية ١١] ومعلومٌ أن القولَ بالفمِ واللسانِ وما جَرَى مَجْرَى ذلك.

القولُ الثاني: أن مادةَ (الطاءِ والياءِ والراءِ) - مادة (الطيرانِ) - قد تُطْلِقُهَا العربُ على الإسراعِ بِالرِّجْلَيْنِ، لا بِالْجَنَاحَيْنِ. وقد تقولُ لِعَبْدِكَ: «طِرْ يَا غُلَامُ فِي حَاجَتِي» تعني: أَسْرِعْ، وفي الحديثِ في مدحِ المجاهدِ: «إِذْ سَمِعَ هَيْعَةً طَارَ إِلَيْهَا»، أي: أَسْرَعَ إليها (٢). وفي شعرِ الحماسي، بيتُه المعروفُ (٣):


(١) انظر: ابن جرير (١١/ ٣٤٩)، القرطبي (٦/ ٤١٩)، البحر المحيط (٤/ ١١٩)، الدر المصون (٤/ ٦١١) وراجع ما تقدم عند تفسير الآية (٧٩) من سورة البقرة.
(٢) أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، كتاب الإمارة، باب فضل الجهاد والرباط حديث (١٨٨٩)، (٣/ ١٥٠٣).
(٣) البيت لقُريط بن أُنيف. وهذا هو الشطر الثاني من البيت، وشطره الأول قوله:
قوم إذا الشر أبدى ناجذيه لهم ... ...........................
وهو في المفردات (مادة: طير) ص (٥٢٩)، اللسان (مادة: طير) (٢/ ٦٣٥)، الدر المصون (٤/ ٦١٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>