للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

................... طَارُوا إِلَيْهِ زَرَافَاتٍ وَوُحْدَانَا

وهو معنًى معروفٌ في كلامِ العربِ، ومنه قولُ قُعْنُبِ ابْنِ أُمِّ صَاحِبٍ (١):

صُمٌّ إِذَا سَمِعُوا خَيْرًا ذُكِرْتُ بِهِ وَإِنْ ذُكِرْتُ بِسُوءٍ عِنْدَهُمْ أَذِنُوا

إِنْ يَسْمَعُوا سُبَّةً طَارُوا بِهَا فَرَحًا مِنِّي وَمَا سَمِعُوا مِنْ صَالِحٍ دَفَنُوا

وَلَمَّا كان يكثرُ في لغةِ العربِ [إطلاقُ] (٢) الطيرانِ على الإسراعِ بِالرِّجْلَيْنِ، قد يكونُ لقولِه: {بِجَنَاحَيْهِ} فائدةٌ؛ لتُخْرَجَ مِنَ الإسراعِ بغيرِ الجناحين كما ذَكَرْنَا. وكان بعضُ العلماءِ يقولُ: قد يكونُ بعضُ ما يطيرُ يطيرُ بأكثرَ مِنْ جَنَاحَيْنِ، كما قال في الملائكةِ: {جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} [فاطر: آية ١] قالوا: هنالك من الملائكةِ مَنْ يطيرُ بأربعةِ أجنحةٍ؛ وَلِذَا احتُرزَ عن ذلك بقوله: {بِجَنَاحَيْهِ}.

وَأَظْهَرُ الأقوالِ هو ما صَدَّرْنَا به: أن هذا الأسلوبَ معروفٌ في كلامِ العربِ، كقوله: «قَالَهُ لِي بِفِيهِ»، و «مشى إِلَيَّ بِرِجْلِهِ»، و «كتبتُ له بِيَدِي»، و «طارَ الطائرُ بِجَنَاحَيْهِ»، ومنه: {يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ} [البقرة: آية ٧٩] {يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم} [آل عمران: آية ١٦٧] وما جرى مَجْرَى ذلك و {وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَاّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ} في قولِه:


(١) البيت الأول تقدم عند تفسير الآية (٣٦) من سورة الأنعام، والبيت الثاني ذكره ابن جني في المحتسب (١/ ٢٠٦) وهو أيضا في الدر المصون (٤/ ٢٤٤).
(٢) زيادة يقتضيها السياق.

<<  <  ج: ص:  >  >>