للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{إِلَاّ أُمَمٌ} سؤال، وهو أن يُقال: أَفْرَدَ اللَّهُ هنا الدابةَ، قال: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ} بلفظِ (دابةٍ) واحدةٍ {وَلَا طَائِرٍ} بلفظِ (طائرٍ) واحدٍ. فكيف يَجْمَعُهُمْ على أممٍ ويقول: {إِلَاّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم}؟

والجوابُ (١): في هذا واضحٌ؛ لأن قولَه: {مَا مِنْ دَابَّةٍ} وقوله: {وَلَا طَائِرٍ} كلاهما نكرةٌ في سياقِ النفيِ، تَعُمُّ كُلَّ دابةٍ، كائنة ما كَانَتْ، وَكُلُّ طائرٍ يطيرُ بِجَنَاحَيْهِ كائنًا ما كانَ، فالمعنى عَامٌّ؛ وَلِذَا قال في مثلِ هذا: {وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ} [الحج: آية ٢٧] أَفْرَدَ اسمَ الضامرِ وقال: {يَأْتِينَ} بصيغةِ الجمعِ؛ لأن {كُلِّ ضَامِرٍ} بمعنى: ضَوَامِرَ كثيرةٍ، وكذلك {مَا مِنْ دَابَّةٍ} بمعنى: دَوَابَّ كثيرةٍ {وَلَا طَائِرٍ} يَعُمُّ طيرًا كثيرًا؛ ولذا قال: {إِلَاّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم} اختلف العلماءُ في مِثْلِيَّةِ هذه الأممِ للآدميين على أقوالٍ متعددةٍ (٢)، بعضها حَقٌّ. وَحَاصِلُ هذا أن اللَّهَ صَرَّحَ بأن الدوابَّ بأنواعها: بأنواعِ الوحوشِ، وأنواعِ السباعِ، وأنواعِ الطيورِ، كُلُّ نوعٍ من هذه الأنواعِ أُمَّةٌ من الأممِ التي خَلََقَ اللَّهُ، أمثال الآدميين؛ لمشابهاتٍ بينها وبينَ الآدميين؛ لأَنَّ كُلاًّ من الجميعِ مخلوقٌ يحتاجُ إلى خالقٍ يَخْلُقُهُ، مرزوق يحتاجُ إلى خالقٍ يرزقُه ويدبرُ شُؤُونَهُ. والكُلُّ مضبوطٌ في كتابٍ: أوصافُ الجميعِ، وآدابُ الجميعِ، وصفاتُ الجميعِ، ومقاديرُهم، وألوانُهم، إلى غيرِ ذلك.

ومما يكونُ من تلك المماثلةِ: أن الجميعَ يُحْشَرُونَ إلى اللَّهِ، كما قال هنا: {ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ} وَنَصَّ على ذلك في التكويرِ في قولِه: {وَإِذَا الْوُحُوشُ


(١) انظر: البحر المحيط (٤/ ١٢٠)، الدر المصون (٤/ ٦١٢).
(٢) انظر: ابن جرير (١١/ ٣٤٥)، القرطبي (٦/ ٤٢٠)، البحر المحيط (٤/ ١٢٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>