جنس القرآن غير ما أنزل، وعلى هذا القول فلا إشكال في الكلام؛ لأن المعنى:{وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِم بِآيَةٍ} تقرأ عليهم آيات أُخر غير ما أنزل عليك {قَالُواْ لَوْلَا اجْتَبَيْتَهَا}(لولا) هنا حرف تحضيض، والتحضيض: الطلب بِحَثٍّ. معناه: أطلب منك طلبًا حثيثًا شديدًا أن تجتبيها.
و {اجْتَبَيْتَهَا} أصل الاجتباء معناه المشهور في لغة العرب: الاختيار والاصطفاء. هذا أشهر معانيه المعروفة، ومنه قوله: {ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى (١٢٢)} [طه: آية ١٢٢] قال بعض العلماء: لولا اخترتها واصطفيتها وجئت بها. وقالت جماعة من المفسرين: العرب تقول: اجتبيت الكلام. إذا اختلقته واخترعته من وقته، ولم يكن عندك فيما سبق، بل جئت به اختلاقًا واختراعًا في وقته. {قَالُواْ لَوْلَا اجْتَبَيْتَهَا} هلَاّ جئت بها مخترعة مختلقة في عجلة؛ لأنهم يزعمون أن كل القرآن اختلاق {إِنْ هَذَا إِلاِّ اخْتِلاقٌ}[ص: آية ٧]{إِنْ هَذَا إِلَاّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ}[الأنعام: آية ٢٥] كما أن هذا الذي تقرأُ مختلق في زعمهم فاقرأ الآية المطلوبة منك مختلقة أيضًا كهذا الذي تقرأ. وهذا تكذيب منهم -قبّحهم الله- بالقرآن. وعلى هذا القول فلا إشكال في قوله:{لَوْلَا اجْتَبَيْتَهَا} أي: هلاّ اخترعتها واختلقتها وقرأتها علينا كما طلبناك، كما اختلقت هذا القرآن كله ونسبته إلى الله بغير حق. هذا قولهم لعنهم الله.
وذهبت جماعة أخرى من أهل التأويل إلى أن الآية المطلوبة هنا آية كونية قدرية، كما قال:{لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنبُوعًا}[الإسراء: آية ٩٠] وقد قالوا له صلى الله عليه وسلم: اجعل لنا الصفا ذهبًا، وباعد عنا بين جبال مكة لنزدرعها، وهاتنا بالرياح لنركبها إلى