للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهذا معنى قوله: {يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ} من شدة كراهتهم لقتال العدو {وَهُمْ يَنظُرُونَ} لأن من يساق إلى الموت وهو يرى وينظر هذا أعظم شيء عليه، وهذا في بعضهم لا في كلهم، كما قد أشرنا إليه سابقًا من أن النبيّ صلى الله عليه وسلم لما سمع بأنهم استنفروا النفير وأنه آتيهم، قال بعض العلماء: كان الذي أرسله له سرًّا بذلك عمه العباس بن عبد المطلب -والله تعالى أعلم- فلما أخبر قومه به جادل قوم في الحق، وقالوا: ما خرجنا للقتال، وإنما خرجنا للعير، فدعنا نرجع فنستعد للقتال، وتكلم أبو بكر وعمر فأحسنا، وتكلم المقداد بن عمرو -وهو المقداد بن الأسود، وهو المقداد بن عمرو (رضي الله عنه) - وقال كلامه المشهور: والله لو سرت بنا إلى بَرْكِ الغِمَاد لجالدنا من دونه معك، لا نقول لك كما قال قوم موسى لموسى: {فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} [المائدة: الآية ٢٤] إلى آخر كلامه (١). وأنه لما أعاد الكلام مرارًا، قال له سعد بن معاذ: كأنك تريدنا معشر الأنصار؟ قال: نعم، وقال له كلامه العظيم الذي يقول في جملته: لقد بايعناك على الحق، وعلمنا أنك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنا لقوم صُبُرٌ في الحرب، صُدقٌ في اللقاء (٢).

[وهذا يدل على أن الصحابة تباينت مواقفهم فما] (٣) كرهوا كلهم هذا الخروج بل بعضهم رغب فيه وحبَّذه وصرح بالإعانة عليه،


(١) مضى عند تفسير الآية (٤٧) من سورة البقرة.
(٢) السابق.
(٣) في هذا الموضع انقطاع في التسجيل. وما بين المعقوفين [] زيادة يتم بها الكلام.

<<  <  ج: ص:  >  >>