وَهُمْ يَنظُرُونَ} [الأنفال: الآية ٦] من شدة خوفهم وكراهتهم؛ ولذا قال لنبيه:{يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ}[الأنفال: الآية ٦] الحق تبين أن الله أمرك بالخروج ووعدك إحدى الطائفتين: إما أن يمكنك من العير، وإما أن ينصرك ويظفرك بالنفير.
وهذا حق ووعد من الله لا شك فيه، وهم يجادلون في هذا الحق بعد ما أوضحه الله لرسوله فيقولوا: نحن ما استعددنا أولاً لقتال النفير، إنما خرجنا لنأخذ عيرًا ولم نستعد للقتال فدعْنا نرجع حتى نستعد للقتال. وهذا إخراجه من بيته الذي كرهوه وكان خيرًا لهم؛ ولذا قال:{أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ}[الأنفال: الآية ٥] وهذا الحق الذي أخرجه من بيته متلبسًا به هو نصرة دينه، وإعزاز كلمته، وإعلاء كلمة الله (جل وعلا) لأن أول وقعة عظُمت فيها قوة الإسلام، وارتفعت فيها كلمة الله وعلت، وعزّ بها المسلمون وانتصروا هي غزوة بدر الكبرى هذه، وسنُلم بتفاصيلها -إن شاء الله- في هذه الآيات المقبلة؛ لأن الله ذكر في هذه الآيات الآتية من سورة الأنفال غزوة بدر الكبرى؛ ولذا قال هنا:{كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ} الذين هم معك {لَكَارِهُونَ} لذلك الخروج لما علموا أنه آيل إلى قتال الجيش لا إلى العير {يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ}[الأنفال: الآية ٦] وهو أن الله (جل وعلا) أمرك أن تخرج خروجًا متلبسًا بالحق، ووعدك إحدى الطائفتين: إما العير وإما النفير، فأنت ظافر لا محالة، فخروجك خروج حق مصحوب بالوعد من الله بالنصر والظفر إما بالعِير وإما بالنفير، ومع هذا يخاصمون ويجادلون في الحق بعد ظهوره فيقولون: نحن ما كنا مستعدين للقتال، فما خرجنا إلا لنأخذ عيرًا لا حرب دونها.