للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقد قَدَّمْنَا مراراً أن العزيز هو الغالب الذي لا يغلبه شيء، والعِزَّة: الغَلَبَةُ {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ} [المنافقون: الآية ٨] أي: وللهِ الغَلَبَةُ {وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ} [ص: الآية ٢٣] غلبني في الخصام. ومِنْ كَلَامِ العَرَبِ: (مَنْ عزَّ بزَّ) (١) يعنون: من غلب استلب، وقد نظمته لخنساء السلمية الشاعرة في قولها (٢):

كَأَنْ لَمْ يَكُونُوا حِمًى يُخْتَشَى ... إِذْ النَّاسُ إِذْ ذَاكَ مَنْ عَزَّ بَزَّا

أي: مَنْ غَلَبَ اسْتَلَبَ. والحَكِيم: هو الذي يَضَعُ الأمُورَ فِي مَوَاضِعِها ويوقعها في مواقعها (٣). فاقتضت عزّته وغَلَبَتُهُ أن يَقْهَرَ أعداءك، وأن لا يضرّوك بِخِدَاعِهِمْ ونِيَّتِهم المكر والخِدَاع؛ لأن رَبَّكَ غَالِبٌ قَاهِرٌ لا يغلبه شيء، واقْتَضَتْ حِكْمَتُهُ أن يؤلف بين قلوب أنصارك الذين نصروك، ويوحِّدَ كَلِمَتَهُمْ، ويجعلهم كرجل واحد، هذا اقْتَضَتْهُ عِزَّته وحكمته، وإن كانت حكمته تَقْتَضِي العَدْلَ الكَامِل، وكمال التَّمَام في كل ما يُدَبِّرُه في شرعه وقدره وغير ذلك. وعزّته تقتضي أنَّه غَالِبٌ لكل شيء، ويدخل في ذلك قَهْرُهُ لِلْكفار الجانحين للسّلم الذين يريدون بذلك الخِداع، ويدخل في حكمته جمعه بين قلوب أصحابك ليجتمعوا على نصرة دين الله وإعلاء كلمته. وهذا معنى قوله: {إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال: الآية ٦٣].

ثم قال: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٦٤)} [الأنفال: الآية ٦٤] قرأ هذا الحرف عامّة القراء غير نافع:


(١) مضى عند تفسير الآية (٩٦) من سورة الأنعام.
(٢) السابق.
(٣) مضى عند تفسير الآية (٨٣) من سورة الأنعام.

<<  <  ج: ص:  >  >>