للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عَظِيمَة كصلاح الدنيا والآخرة؛ لأن هؤلاء الأسرى قال لهم: {إِن يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً} من المال {مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ} ويزيدكم على ذلك المغفرة. قال العباس بن عبد المطلب: كان يقرأ: {يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ} قال: إن العشرين أوقية التي ضَاعَتْ لِي يَوْمَ بَدْر أبْدَلَنِي الله خيراً منها، أعطاني عشرين عبداً كلهم يتاجر بمالٍ كثير، وهم لي، وأموالهم لي (١). ولما جاء مال البحرين -أرسله ابن الحضرمي من البحرين- ذلك المال الكثير الذي ما دخل المدينة مالٌ أكثر منه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، ونثره في المسجد ووزّعه، جاء العباس وقال: يا نبيّ الله أعطني! فاديت نفسي وعقيلاً. فقال له: «احثُ من هذا المال». فحثا العباس في خميصة كانت عليه، ولم يزل يحثو فيها من المال حتى أراد أن يقوم فما قدر على أن يقوم، فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: مُر أحداً منهم يرفع معي المال!! فتبسّم صلى الله عليه وسلم حتى بدا ضاحكه أو نابه وقال: «لا يُعِينُكَ عَلَيْهِ أحَدٌ». فقال له: ارفعه أنت عليّ. فقال: «لا، اردُد طائِفة من المَال حتَّى تَسْتَطِيعَ حَمْلَهُ». فحثا عنه حتى استطاع أن يحمله، وحمله على كاهله. قال بعضهم: لم يزل صلى الله عليه وسلم ينظر إليه حتى اختفى، لشدّة حرصه على أخذ هذا المال، وقال العباس حينئذ: أما الأولى منهما فقد رأيناها: {يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ} والله لقد أعطانا خيراً مما أُخِذَ مِنَّا، وإنا لنرجو الثانية التي هي: {وَيَغْفِرْ لَكُمْ} (٢). وهذا معنى قوله: {إِن يَعْلَمِ اللَّهُ} بعلمه المحيط بكل شيء {فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً} أي إيماناً صحيحاً وتصديقاً وإخلاصاً لله {يُؤْتِكُمْ} أي:


(١) تقدم تخريجه في الموضع السابق.
(٢) تقدم تخريجه في الموضع السابق.

<<  <  ج: ص:  >  >>