للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حَكِيمٌ} [الأنفال: الآية ٧١] ضمير واو الفاعل في قوله: {وَإِن يُرِيدُواْ} راجع على الأسارى الذين في أيدي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه؛ لأنهم كانوا يقولون: آمنا بك وشهدنا أنك رَسُول الله، ووالله لننصحن لك على قومك، ولنكونن معك. {وَإِن يُرِيدُواْ خِيَانَتَكَ} بهذا الكلام، إن كان هذا الكلام أرادوا به الخيانة والمكر والخديعة فلا تهتم بشأنهم {فَقَدْ خَانُواْ اللَّهَ مِن قَبْلُ} ظرف مقطوع من الإضافة مبني على الضم. أي: قد خانوا الله من قبل يوم بدر بالكفر، وعبادة الأصنام، وتكذيب رسوله صلى الله عليه وسلم فأمكن الله منهم. هذا الفعل الذي هو (أمكن) يتعدى إلى مفعول، ومفعوله محذوف، والمعنى: فأمْكَنَكُمُ الله منهم. وَحَذْفُ الفضْلة إذا دَلَّ المقام عليه شَائِعٌ مُطَّرِدٌ في القرآن وفي كلام العرب، والعرب تقول: أمكنني من كذا: إذا هَيَّأَهُ لِي وجَعَلَهُ فِي قَبْضَتِي، وهو معنى معروف في كلامها، وهو مُتَعَدٍّ إلى المفْعُول كما هو معروف، فالمفعول هنا محذوف، وليس الفعل لازماً كما لا شك فيه، ومما يدل على ذلك من كلام العرب قولُ كُثَيِّر عزَّة وهو عربي قحّ، ذكروا أنه ناداه عبد العزيز بن مروان، وأحضر عزَّة وجعل دونها سجفاً؛ أعني: ستراً. وقال لكُثَيِّر: تمنَّ، فما تتمنى فهو حاضر. فتمنَّى إِبِلاً سوداً برعائها، أو غير ذلك من الأموال. فقال للغلام: ارْفَعِ السجف يا غلام. فرفعه عن عزة فإذا هي، فقال: لو تمنيت هذه لأعطيتكها وزوجتك إياها. فندم كُثَيِّر وقال، وهو محل الشاهد (١):

حَلَفْتُ بِرَبِّ الرَّاقِصَاتِ إِلَى مِنًى ... يَجُوبُ الفَيَافِي نصها وزميلها


(١) البيتان في ديوانه ص٢٦٧ مغني اللبيب (١/ ١٩) (بشرح الأمير)، والثاني في رصف المباني ص٦٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>