للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

في علمه أنه لا يوجد، فهو يعلم أن لو وُجد كيف يكون، وإن سبق في علمه أنه لا يكون؛ لإحاطة علمه بكل شيء، فهو يعلم أن أبا لهب لم يؤمن، ويعلم لو آمن أيكون إيمانه تامّاً أو ناقصاً مثلاً، والآيات القرآنية الدالة على هذا المعنى كثيرة جدّاً، من ذلك: أن الكفار إذا عَايَنُوا القِيَامَةَ ورُفع عنهم الغِطَاء، وشاهدوا الحقائق تَمَنَّوا الرد إلى الدنيا مرة أخرى {فَقَالُواْ يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبُ بِآيَاتِ رَبِّنَا} [الأنعام: الآية ٢٧] وفي القراءة الأخرى (١): {وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا} وهذا الرد إلى الدنيا الذي تمنوه اللهُ عالِمٌ بِعِلْمِه الأزَلِيّ أنه لا يكون، ومَعَ عِلْمِهِ بأنه لا يكون فهو عالم أن لو كان كيف يكون، كما صَرَّحَ بِهِ في قوله: {وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [الأنعام: الآية ٢٨].

والمتخلفون عن غزوة تبوك لا يحضرونها أَبَداً؛ لأن الله خَلَّفَهم عنها لحكمة وإرادة إلهية كما قال: {وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً وَلَكِن كَرِهَ اللَّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُواْ مَعَ الْقَاعِدِينَ (٤٦)} [التوبة: الآية ٤٦] ومع كون خروجهم لا يكون هو عالم أن لو كان كيف يكون، كما صرح به في قوله: {لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلَاّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ ... } الآية [التوبة: الآية ٤٧]. ونظائر هذا كثيرة في القرآن، فَعِلْمُ اللهِ مُحِيطٌ بكل شَيْء. و (الفعيل) صيغة مبالغة.

وقوله: {حَكِيمٌ} فالعليم والحكيم من أسمائه (جل وعلا) وكلاهما تتضمن صفة من صفاته (جل وعلا)؛ لأنه حكيم عليم. قال بعض العلماء: الحكيم لأنه حَكِيم في أقواله وأفْعَالِهِ


(١) مضى عند تفسير الآية (٢٨) من سورة الأنعام.

<<  <  ج: ص:  >  >>