للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

شيء مما عند المسلمين، وليس لهم على المسلمين من النصر إلا إن استنصروهم على عدو في الدين خاصة كما سيأتي إيضاحه.

الطائفة الثانية: هم الأنصار، أهل المدينة، الذين كانوا قبلهم.

الطائفة الثالثة: هم الذين هاجروا بعد ذلك، فهم مهاجرون وأنصار، وطائفة جاءوا بعد ذلك كما سيأتي تفاصيله وإيضاحه؛ ولذا قال: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا} أي: بالله ورسوله وبكل ما يجب به الإيمان {وَهَاجَرُوا} هاجروا أوطانهم وأموالهم وديارهم. والمُهَاجَرَة: هَجْرُ الشَّيْءِ أصْلُهُ المُبَاعَدَةُ مِنْه. وقد هاجروا أولاً إلى الحبشة، وثانياً إلى المدينة. ثم إن هذه الهجرة التي كان بها التَّوَارُث ولا يقبل من أحد إلا أن يفعلها نُسِخَتْ بِفَتْحِ مكة، وقال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: «لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيّةٌ» (١).

والتحقيق أن الهِجْرَةَ لا تنقطع أبَداً، إلا أن الهجرة المخصوصة التي كانت إلى النَّبِي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالمدينة هي التي انقطعت بفتح مكة لانتشار الإسلام في جزيرة العرب، أما الهجرة التي لا تَنْقَطِعُ فَهِيَ أنَّ كُلَّ إنسان تُعُرِّض له في دينه، وصار لا يقدر على إقامة شعائِرِ دِينِهِ في مَحل فواجب عليه بإجماع العلماء أن ينتقل من هذا المحل، ويبذل في ذلك كل مجهود حتى يَصِلّ إِلَى محل يتمكن فيه مِنْ إِقَامَةِ شَعَائِر دينه، وهذه الهجرة التي لا تَنْقَطِعُ. والمهاجر الحقيقي هو مَنْ


(١) أخرجه مسلم في الإمارة، باب: المبايعة بعد فتح مكة على الإسلام. حديث رقم: (١٨٦٤) (٣/ ١٤٨٨) من حديث عائشة (رضي الله عنها) مرفوعاً. وقد أخرجه البخاري في مناقب الأنصار، باب: هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، حديث رقم: (٣٨٩٩) (٧/ ٢٢٦) موقوفاً على ابن عمر. وأطرافه (٤٣٠٩، ٤٣١٠، ٤٣١١).

<<  <  ج: ص:  >  >>