للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهذا أيضاً يدل على أن الفتنة والفساد الكبير تتعدد أسبابها وهو كذلك، فإن للافتتان والفساد الكبير المنتشر في الدنيا أسباباً كثيرة، ومن أعظم تلك الأسباب وأبرزها: مقاطعة المسلم للمسلم وموالاته للكافر، فهذا مما لا ينبغي، وهو من الأسباب العظيمة؛ لأن الله يقول لنبيه: {جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} [التحريم: الآية ٩] فاللين للكفار والمحبة والمؤاخاة لهم ليست من شأن المسلمين، ولا مِنْ خُلُقِ النَّبِيِّ وأصحابه، فالله (جل وعلا) أثنى على محمد صلى الله عليه وسلم وعلى أصحابه بأنهم لا يضعون اللين إلا في موضع اللين، ولا يضعون القسوة إلا في موضع القسوة، قال: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ} ليسوا بأصدقاء لهم ولا محبين ولا أولياء {رُحَمَاء بَيْنَهُمْ} [الفتح: الآية ٢٩] هذه عادة المسلم أن يكون شديداً عظيماً على الكافر، رحيماً رفيقاً ذليلاً على المسلم، هذه عادة المسلمين وصفات المسلمين، وقد مدح الله بها قوماً في سورة المائدة حيث قال: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} -يعني لا يهتم بهم المسلمون لعدم صعوبتهم وذلهم وتواضعهم للمسلمين- {أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} [المائدة: الآية ٥٤] أشداء، وقد صدق من قال (١):

فَمَا حَمَلَتْ مِن ناقَةٍ فَوْقَ رَحْلِها ... أشَدّ عَلَى أعْدَائِهِ مِنْ مُحَمَّدِ

(صلوات الله وسلامه عليه)، فهو لا يوالي الكفار، بل هو ولي المسلمين {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ} [الأحزاب: الآية ٦]


(١) مضى عند تفسير الآية (١٩٩) من سورة الأعراف.

<<  <  ج: ص:  >  >>