للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقول الثاني (١):

يُبَشِّرُنِي الغُرَابُ بِبَيْنِ أَهْلِي ... فَقُلْتُ لَهُ ثَكِلْتُكَ مِنْ بَشِيرِ

هذا هو التحقيق أنها أساليب عربية، وأن البشارة تغلب للإخبار بما يسر، وأنها تطلق على الإخبار بما يسوء، هذا هو الظاهر، ومعلوم أن علماء البلاغة يقولون: إن البشارة حقيقة في الإخبار بما يسر، وأما البشارة بما يسوء فهي مما يسمونه الاستعارة (العِنَادِيَّة) المعروفة عندهم، وهي منقسمة إلى تهكُّمِيَّة وتمليحية كما هو معروف مُقَرَّر في علم البيان عند أهله (٢).

ونحن نقول دائماً: إن مثل هذا أساليب عربية نَطَقَت بها العرب، وكلها أسلوب عربي فصيح في محله، وهذا معنى قوله: {فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [آل عمران: آية ٢١] الظاهر أن تَنْكِيرَ العَذَابِ هنا للتفخيم والتعظيم، ومن المعاني التي يستجلب لها التنكير: التفخيم والتعظيم، ويدل على هذا قوله: {أَلِيمٍ} والأليم: (فَعِيل) بمعنى (مُفْعِل) أي: مؤلم. واعلم أن إتيان (الفَعِيل) بمعنى (المُفْعِل) واقع في القرآن وفي كلام العرب، فما ذكروا عن الأصمعي أن (الفعيل) لا يكون في اللغة بمعنى (المُفعل) فهو خلاف التحقيق (٣). فمعنى أليم: مؤلم، أي: شديد الألم، وإتيان (الفعيل) بمعنى: (المُفْعِل) أسلوب عربي معروف يكثر في كتاب الله وفي لُغَةِ العَرَبِ، ومِنْ إِتْيَانِهِ في القرآن قوله: {إِنْ هُوَ إِلَاّ نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ} [سبأ: آية ٤٦] وقوله: {نَذِيرٌ} أي: منذر فهو (فعيل)


(١) السابق.
(٢) مضى عند تفسير الآية (٤٨) من سورة الأنعام.
(٣) مضى عد تفسير الآية (٧٣) من سورة الأعراف.

<<  <  ج: ص:  >  >>