٥٩٨ - وَقَالَ فِي حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ رَحِمَهُ اللَّهُ، أَنَّهُ لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ، دَعَا أَخَاهُ مُعَاوَيَةَ، فَقَالَ: " يَا أَخِي، انْقَطَعَتْ مُدَّتِي، وَبَلِيَتْ جِدَّتِي، وَخَلَا مِنِّي مَا لَا يَعُودُ، وَأَنَا هَامَةُ الْيَوْمِ أَوْ غَدٍ، وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّا فُضِّلْنَا قَوْمَنَا بِخِصَالٍ سِتٍّ: نَحْنُ أَصْبَحُهُمْ وُجُوهًا، وَأَطْوَلُهُمْ عَمُودًا، وَأَسْعَدُهُمْ جُدُودًا، وَأَبْعَدُهُمْ هِمَّةً، وَأَكْشَفُهُمْ لِلْغُمَّةِ، وَأَنَا ابْنُ أُمِّكَ وَأَبِيكَ وَأَخُو أَخِيكَ، قَدْ حَلَبْتُ الدَّهْرَ أَشْطَرَهُ، وَأَكَلْتُ ذَرْوَتَهُ، يَعْلَمُ مَا يَقُولُ: وَمَا يُقَالُ لَهُ، حَمَّالُ أثْقَالٍ، لَسْتُ بِالْكَهَامَةِ الْهَلِعِ، وَلَا بِالْغُمْرِ الضَّرِعِ، وَقَدْ عَلِمْتُ أَنْ سَوْفَ يَؤْذِيكَ قَوْمٌ لَهُمْ سَوَابِقُ وَأَوْاصِرُ، مِنْهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، لَهُ قَرَابَةٌ وَحَقٌّ، وَنِيَّةٌ وَصِدْقٌ وَقَلْبٌ، غَيْرَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ فِي الْحُرُوبِ إِرْبٌ، وَأَظُنُّكَ سَتُبْلَى بِهِ، فَاجْعَلْهُ مِنْكَ مَكَانَ الْمِجَنِّ، وَمِنْهُمْ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِي لَهُ دُنْيَا، وَلَيْسَ لَهُ دِينٌ مَعَ إِرْبٍ وَدَهَاءٍ وَحَذَرٍ وَغَنَاءٍ، نَاصِحٌ رَقُودٌ لِلرِّجَالِ، حَسُودٌ فَأَعِدَّهُ ذُخْرًا، وَقَدِّمَ لَهُ رِجْلًا، وَأَخِّرْ لَهُ أُخْرَى، وَمِنْهُم سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِي، لَهُ قَرَابَةٌ وَوُدٌّ وَإِخَاءٌ، فَارْفِدْهُ بِالْمَالِ وَأَلْطِفْهُ فِي الْمَقَالِ، وَمِنْهُمُ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ، وَهُوَ الْأَرِيبُ الْمَاضِي، دَهِيُّ الدَّوَاهِي، فَاجْعَلْهُ دَونَ الْأَفْنَادِ، فَإِنَّهُ حَيَّةُ الْوَادِي، وَمِنْهُمُ الَّذِي يَجْثِمُ جُثُومَ الْأَسَدِ، وَيَرُوغُ مُرَاوَغَةَ الثَّعْلَبِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، فَابْعَثْهُ، فَإِنَّهُ شَنِفٌ مُتْرَفٌ ".
حَدَّثَنَاهُ إِسْمَاعِيلُ الْأَسْدِيُّ، قَالَ: نَا عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ، قَالَ: نَا الْأَصْمَعِيُّ
قَوْلُهُ: «وَأَنَا هَامَةُ الْيَوْمِ أَوْ غَدِ» ، يُرِيدُ مَيِّتًا فِي الْيَوْمِ أَوْ فِي غَدٍ، قَالَ الطِّرْمَاحُ:
وَيَا سَلْمَ إِنْ أَرْجِعُ إِلَيْكِ فَرُبَّمَا ... رَجَعْتُ وَأَمْرِي لِلْعِدَا غَيْرُ مُفْرِحِ
وَإِلَّا فَإِنِّي إِنَّمَا أَنَا هَامَةٌ ... غَدًا بَيْنَ أَحْجَارِ بِبَيْدَاءَ صَرْدَحِ
وَفِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ: كَيْفَ تَرْضَى بَنُو شَيْبَانَ، أَنْ يُعْطُوا فَتًى مُسْتَقْبِلَ السِّنِّ، بِشَيْخٍ فَانٍ هَامَةِ الْيَوْمِ أَوْ غَدٍ.
وَحَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ الْأَسْدِيُّ، قَالَ: أَنْشَدَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute