للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ فِي حَدِيثِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ: " اسْتَعْمَلَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، أَوْ عُثْمَانُ عَلَى صَدَقَاتِ سَعْدِ هُذَيْمٍ، وَهُمْ عُذْرَةُ، وَسَلَامَان، وَضِنَّةُ، وَالْحَارِثُ، وَهُمْ مِنْ قُضَاعَةَ، فَلَمَّا قَبَضْتُ الصَّدَقَةَ قَسَمْتُهَا بَيْنَ أَهْلِهَا، وَأَقْبَلْتُ بِالسَّهْمَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ إِلَى عُمَرَ أَوْ عَثْمَانَ، فَلَمَّا كُنْتُ بِبِلَادِ عُذْرَةَ فِي حَيٍّ مِنْهُمْ، يُقَالُ لَهُمْ: بَنُو هِنْدٍ إِذَا أَنَا بِبَيْتِ حَرِيدِ جَاحِشٍ عَنِ الْحَيِّ، فَمِلْتُ إِلَيْهِ، فَإِذَا عَجُوزٌ جَالِسَةٌ عِنْدَ كِسْرِ الْبَيْتِ، وَإِذَا شَابٌّ نَائِمٌ فِي ظِلِّ الْبَيْتِ، فَلَمَّا قَعَدَتْ، فَسَلَّمَتْ، تَرَنَّمَ بِصَوْتٍ لَهُ ضَعِيفٍ، فقَالَ:

جَعَلْتُ لِعَرَّافِ الْيَمَامَةِ حُكْمِهِ ... وَعَرَّافِ حَجْرٍ إِنْ هُمَا شَفَيَانِي

فَقَالَا نَعَمْ نَشْفِي مِنَ الدَّاءِ كُلِّهِ ... وَقَامَا مَعَ الْعُوَّادِ يَبْتَدِرَانِ

نَعَمْ وَبَلَى قَالَا مَتَى كُنْتَ هَكَذَا ... لِيَسْتَخْبِرَانِي قُلْتُ مُنْذُ زَمَانِ

فَمَا تَرَكَا مِنْ رُقْيَةٍ يَعْلَمَانِهَا ... وَلَا سَلْوَةٍ إِلَّا بِهَا سَقَيَانِي

فَقَالَا شَفَاكَ اللَّهُ وَاللَّهِ مَالَنَا ... بِمَا حُمِّلَتْ مِنْكَ الضُّلُوعُ يَدَانِ

ثُمَّ شَهِقَ شَهْقَةً خَفِيفَةً، فَنَظَرْتُ، فَإِذَا هُوَ قَدْ مَاتَ، فَقُلْتُ: أَيَّتُهَا الْعَجُوزُ، مَا أَظُنُّ هَذَا النَّائِمَ بِفِنَاءِ بَيْتِكَ إِلَّا وَقَدْ مَاتَ، قَالَتْ: وَأَنَا وَاللَّهِ أَظُنُّ، فَقَامَتْ، فَنَظَرَتْ إِلَيْهِ، فَقَالَتْ: فَاظَ وَرَبِّ مُحَمَّدٍ، فَقُلْتُ: يَا أَمَةَ اللَّهِ، مَنْ هَذَا؟ ، قَالَتْ: عُرْوَةُ بْنُ حِزَامٍ الْعُذْرِيُّ، وَأَنَا أُمُّهُ، قُلْتُ: فَمَا الَّذِي صَيَّرَهُ إِلَى هَذَا؟ قَالَتْ: الْعِشْقُ، لَا وَاللَّهِ مَا سَمِعْتُ لَهُ أَنَّةً مُنْذُ سَنَةٍ إِلَّا فِي صَدْرِ يَوْمِنَا، فَإِنِّي سَمِعْتُهُ يَقُولُ:

مَنْ كَانَ مِنْ أُمَّهَاتِي بَاكِيًا أَبدًا ... فَالْيَوْمَ إِنِّي أَرَانِي الْيَوْمَ مَقْبُوضًا

يُسْمِعْنَنِيهِ فَإِنِّي غَيْرُ سَامِعِهِ ... إِذَا عَلَوْتُ رَقِابَ الْقَوْمِ مَعْرُوضًا

<<  <  ج: ص:  >  >>