المرء في حياته الدنيا فهو دُنْيَا قبل أن يكون دينًا، وهو أُولَى قبل أن يكون آخرة، وإذا كان الإسلام قد حد للناس حدودًا لا يتعدونها، ووضع لهم أحكامًا ألزمهم اتباعها فإنه لم يسلبهم حريتهم في العمل، ولم يملك عليهم كل أمرهم، بل ترك لهم أن يفكروا في أنفسهم وأن يدبروا حياتهم وأن يعملوا بوسائلهم، وترك لهم أن ينظموا أنفسهم وأن يرعوا مصالحهم الخاصة والعامة، وأن يعدوا لمستقبلهم ما يشاؤون من الخطط التي تؤدي إلى رقيهم وإسعادهم وتفوقهم.
ونستطيع أن نقول في غير تجوز إن الإسلام ترك للبشر الحرية كاملة فيما يأخذون وما يدعون، ولم يقيدهم إلا بأن تكون حياتهم قائمة على الفضائل حتى يحيوا حياة فاضلة تسودها العدالة والمساواة والحب والتضامن وغير ذلك من المبادئ الإنسانية العليا التي جاء بها الإسلام والتي يدعي العالم كله أنه يعمل لتحقيقها وما يستطيع أن يحققها بعد أن انسلخ عن الدين واتبع الأهواء والشهوات، تلك المبادئ التي نسميها إنسانية وماعرفها أهل الأرض إلا عن طريق السماء ورسالات الأنبياء.
ولقد فرض الله الشورى على المسلمين وجعلها عمادًا لحياتهم العامة، ولو كانت الحكومة الإسلامية حكومة ثيوقراطية لما كانت الشورى، ولما ألزم الله رسوله أن يشاورهم في الأمر {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ}[آل عمران: ١٥٩]. وهو في غنى عن