مشاورة البشر بالوحي الإلهي، ولما ألزم الرسول نفسه نتائج المشورة المخالفة لرأيه الخاص كما فعل في غزوة بدر وغزوة أحد وغيرهما من المواقف، وإنما ألزم الله رسوله المشورة ليضع للناس قواعد الشورى، وألزم الرسول نفسه بنتائج المشورة ليسن لمن بعده أن يلتزم نتائجها ويتقيد بها.
ولو كانت الحكومة الإسلامية ثيوقراطية لكان للخليفة أن يفعل ما يشاء ويترك ما يشاء، ولكن الخليفة وكل حاكم إسلامي مقيد، فيما ورد فيه نص، بنصوص القرآن والسنة، وفيما لم يرد فيه نص بما تسفر عنه الشورى.
وإذا كان نظام الحكم الديموقراطي يشبه نظام الحكم الإسلامي فيما يوجبه من اختيار الحكام بمعرفة ممثلي الأمة وفيما يوجبه من قيام الحكم على العدل والمساواة وفيما يطلقه من حرية العقول والأفكار، فإن نظام الحكم الإسلامي يختلف عن الديموقراطية في أنه يقيد الحاكمين والمحكومين بقيود تمنعهم من الإنطلاق وراء الأهواء وتحول بينهم وبين الخضوع للشهوات. كذلك يختلف الإسلام عن الديموقراطية في أنه لا يترك مقاييس العدالة والمساواة وغير ذلك من الفضائل الإنسانية في يد البشر يرسمون حدودها فيوسعونها تارة ويضيقون منها أخرى نزولاً على أهواءهم وخضوعًا لشهواتهم، وإنما يرسم الإسلام حدود الفضائل والمبادئ الإنسانية ويضع مقاييسها ويخضع البشر لهذه المقاييس العلوية، وبذلك حمى الإسلام الحياة العامة من الفساد، وكبح الأهواء، وأقام