للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وأن إثبات السمع والبصر لله يؤدي إلى تشبيه الله بمخلوقاته.

إن المعنى الذي تدل الآية عليه أن الله يتصف بالسمع والبصر، وسمع الله وبصره لا يشبهه شيء من أسماع المخلوقات وأبصارها، فسمع الله وبصره يليقان بجلال الله وكماله، وأسماع المخلوقات وأبصارها تناسب حالهم، فلا تشابه بين صفات الله وصفات المخلوقات.

والأساس الثالث: الذي ترتكز عليه مباحث الصفات - كما يقول الشيخ الشنقيطي - قطع الأطماع عن إدراك حقيقة الكيفية، لأنّ إدراك حقيقة الكيفية مستحيل. وهذا نص الله عليه في سورة (طه) حيث قال: (يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علماً) [طه: ١١٠] فقوله: (يحيطون) فعل مضارع، والفعل الصناعي الذي يسمى بالفعل المضارع وفعل الأمر والفعل الماضي ينحلّ عند النحويين عن (مصدر، وزمن) .

وقد حرّر علماء البلاغة في بحث الاستعارة التبعية أنّه ينحلّ عن (مصدر، وزمن، ونسبة) فالمصدر كامن في مفهومه إجماعاً، (فيحيطون) تكمن في مفهومها (الإحاطة) ، فيتسلط النفي على المصدر الكامن في الفعل، ويكون معه كالنكرة المبنية على الفتح، فيصير المعنى: لا إحاطة للعلم البشري بربّ السماوات والأرض.

فينفي جنس أنواع الإحاطة عن كيفيتها، فالإحاطة المسندة للعلم منفية عن ربّ العالمين.

وهذا الذي ذكره الشيخ العلامة من استحالة معرفة كيفية الله أو صفاته منطق سليم؛ لأنّ العقل الإنساني مهما بلغ من الذكاء وقوة الإدراك قاصر غاية القصور وعاجز نهاية العجز عن معرفة حقائق الأشياء.

إنّ الإنسان عاجز عن معرفة حقيقة الروح التي تتردد بين جنبيه، وعاجز عن معرفة حقيقة الضوء الذي هو من أظهر الأشياء لديه، وعاجز عن إدراك حقيقة المادة، وحقيقة الذرات التي تتألف منها المادة، فكيف يطمح إلى معرفة حقيقة الذات والصفات الإلهية؟

<<  <   >  >>