للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

٣- هداية النحل وشيء من عجائب صنع الله فيه

ويحدثنا ابن القيم (١) رحمه الله تعالى عن بدائع صنع الله في خلقه، مبيناً هداية الله للنحل في أمور معاشه: " وأمر النحل في هدايتها من أعجب العجب وذلك أن لها أميراً ومدبراً، وهو اليعسوب، وهو أكبر جسماً من جميع النحل، وأحسن لوناً وشكلاً.

وإناث النحل تلد في إقبال الربيع (٢) ، وأكثر أولادها يكنّ إناثاً، وإذا وقع فيها ذكر لم تدعه بينها، بل إما أن تطرده، وإما أن تقتله، إلا طائفة يسيرة منها، وذلك أن الذكور منها لا تعمل شيئاً ولا تكسب.

والنحل تقسم فرقاً، فمنها فرقة تلزم الملك، ولا تفارقه، ومنها فرقة تهيئ الشمع وتصنعه، والشمع هو ثفل العسل، وفيه حلاوة كحلاوة التين، وللنحل فيه عناية شديدة فوق عنايتها بالعسل، فينظفه النحل، ويصفيه، ويخلصه مما يخالطه من أبوالها وغيرها، وفرقة تبني البيوت، وفرقة تسقي الماء , وتحمله على متونها، وفرقة تكنس الخلايا وتنظفها من الأوساخ والجيف والزبل، وإذا رأت بينها نحلة مهينة بطالة قطعتها وقتلتها حتى لا تفسد عليهن بقية العمال، وتعديهن ببطالتها ومهانتها.

وأول ما يبنى في الخلية مقعد الملك وبيته، فيُبنى له بيت مربع يشبه السرير والتخت، فيجلس عليه، ويستدير حوله طائفة من النحل يشبه الأمراء، والخدم والخواص، لا يفارقنه، ويجعل النحل بين يديه شيئاً يشبه الحوض يصب فيه من العسل أصفى ما يقدر عليه، ويملأ منه الحوض، ويكون ذلك طعاماً للملك وخواصه.

ثم يأخذن في ابتناء البيوت على خطوط متساوية كأنها سكك ومحال، وتبني بيوتها مسدسة متساوية الأضلاع، كأنها قرأت كتاب إقليدس، حتى عرفت أوفق الأشكال لبيوتها؛ لأنّ المطلوب من بناء الدور هو الوثاقة


(١) شفاء العليل: ١٠١، وما نقلناه عن ابن القيم يدلنا على أن السلف الصالح كانوا يعنون بالتأمل في خلق الله، ويدلنا على أن ملاحظة العلماء المسلمين بلغت مبلغاً كبيراً، إلا أنها لم تخل من أخطاء، فالنحل ليس له ملك بل ملكة.
(٢) الذي يبيض من النحل ملكة النحل فحسب.

<<  <   >  >>