والسعة، والشكل المسدس دون سائر الأشكال إذا انضمت بعض أشكاله إلى بعض صار شكلاً مستديراً كاستدارة الرحى، ولا يبقى فيه فروج ولا خلل، ويشد بعضه بعضاً، حتى يصير طبقاً واحداً محكماً، لا يدخل بين بيوته رؤوس الإبر.
فتبارك الذي ألهمها أن تبني بيوتها هذا البناء المحكم الذي يعجز البشر عن صنع مثله، فعلمت أنها محتاجة إلى أن تبني بيوتها من أشكال موصوفة بصفتين: إحداهما: أن لا تكون زواياها ضيقة حتى لا يبقى الموضع الضيق معطلاً. والثانية: أن تكون تلك البيوت مشكلة بأشكال إذا انضم بعضها إلى بعض، وامتلأت العرصة منها فلا يبقى منها ضائعاً، ثم إنها علمت أن الشكل الموصوف بهاتين الصفتين هو المسدس فقط؛ فإن المثلثات والمربعات، وإن أمكن امتلاء العرصة منها إلا أن زواياها ضيقة، وأما سائر الأشكال وإن كانت زواياها واسعة إلا أنها لا تمتلئ العرصة منها، بل يبقى فيما بينها فروج خالية ضائعة، وأما المسدس فهو موصوف بهاتين الصفتين، فهداها - سبحانه - إلى بناء بيوتها على هذا الشكل من غير مسطرة ولا آلة، ولا مثال يحتذى عليه، وأصنع بني آدم لا يقدر على بناء بيت المسدس إلا بالآلات الكبيرة.
فتبارك الذي هداها أن تسلك سبل مراعيها على قوتها وتأتيها ذللاً لا تستعصي عليها، ولا تضل عنها، وأن تجتني أطيب ما في المراعي وألطفه، وأن تعود إلى بيوتها الخالية، فتصب فيها شراباً مختلفاً ألوانه، فيه شفاء للناس، إن في ذلك لآيات لقول يتفكرون.
فإذا فرغت من بناء البيوت خرجت خماصاً تسيح سهلاً وجبلاً، فأكلت من الحلاوات المرتفعة على رؤوس الأزهار وورق الأشجار، فترجع بطاناً.
وجعل - سبحانه - في أفواهها حرارة منضجة تنضج ما جنته، فتعيده حلاوة ونضجاً، ثم تمجه في البيوت، حتى إذا امتلأت ختمتها، وسدت رؤوسها بالشمع المصفى، فإذا امتلأت تلك البيوت عمدت إلى مكان آخر إن صادفته، فاتخذت فيه بيوتاً، وفعلت كما فعلت في البيوت الأولى،