فإذا برد الهواء، وأخلف المرعى، وحيل بينها وبين الكسب، لزمت بيوتها، واغتذت بما ادخرته من العسل، وهي في أيام الكسب والسعي تخرج بكرة وتسيح في المراتع، وتستعمل كل فرقة منها بما يخصها من العمل، فإذا أمست رجعت إلى بيوتها.
وأما الملك فلا يكثر الخروج من الخلية إلا نادراً إذا اشتهى التنزه، فيخرج، ومعه أمراء النحل والخدم، فيطوفُ في المروج والرياض والبساتين ساعة من النهار، ثم يعود إلى مكانه.
ومن عجيب أمره أنه ربما لحقه أذى من النحل أو من صاحب الخلية أو من خدمه، فيغضب ويخرج من الخلية، ويتباعد عنها، ويتبعه جميع النحل، وتبقى الخلية خالية.
فإذا رأى صاحبها ذلك، وخاف أن يأخذ النحل، ويذهب بها إلى مكان آخر احتال لاسترجاعه وطلب رضاه، فيتعرف موضعه الذي صار إليه بالنحل، فيعرفه باجتماع النحل إليه، فإنها لا تفارقه، وتجتمع عليه حتى تصير عليه عنقوداً، وهو إذا خرج غضباً جلس على مكان مرتفع من الشجرة، وطافت به النحل، وانضمت إليه، حتى يصير كالكرة، فيأخذ صاحب النحل رمحاً أو قصبة طويلة، ويشد على رأسه حزمة من النبات الطيب الرائحة العطر النظيف، ويدنيه إلى محل الملك، ويكون معه إما مزهر أو يراع أو شيء من آلات الطرب فيحركه، وقد أدنى إليه ذلك الحشيش، فلا يزال كذلك إلى أن يرضى الملك، فإذا رضي غضبه طفر ووقع على الضغث، وتبعه خدمه وسائر النحل، فيحمله صاحبه إلى الخلية، فينزل ويدخلها هو وجنوده، ولا يقع النحل على جيفة ولا حيوان ولا طعام.
ومن عجيب أمرها أنها تقتل الملوك الظلمة المفسدة، ولا تدين لطاعتها، والنحل الصغار المجتمعة الخلق هي العسالة، وهي تحاول مقاتلة الطوال القليلة النفع وإخراجها ونفيها عن الخلايا، وإذا فعلت ذلك جاد العسل، وتجتهد أن تقتل ما تريد قتله خارج الخلية صيانة للخلية عن جيفته.