للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ثم أعادته إليها، ولا تتغذى منها نملة مما جمعه غيرها.

ويكفي في هداية النمل ما حكاه الله - سبحانه - في القرآن عن النملة التي سمع سليمان كلامها وخطابها لأصحابها بقولها: (يا أيَّها النَّمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنَّكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون) [النمل: ١٨] ، فاستفتحت خطابها بالنداء الذي يسمعه من خاطبته، ثم أتت بالاسم المبهم، ثم أتبعته بما يثبته من اسم الجنس إرادة العموم، ثم أمرتهم بأن يدخلوا مساكنهم فيتحصنون من العسكر، ثم أخبرت عن سبب هذا الدخول، وهو خشية أن يصيبهم معرّة الجيش، فيحطمهم سليمان وجنوده، ثم اعتذرت عن نبي الله وجنوده بأنهم لا يشعرون بذلك، وهذا من أعجب الهداية.

وتأمل كيف عظم الله - سبحانه - شأن النمل بقوله: (وحشر لسليمان جنوده من الجنّ والإنس والطَّير فهم يوزعون) [النمل: ١٧] ، ثم قال: (حتَّى إذا أتوا على واد النَّمل) [النمل: ١٨] ، فأخبر أنهم بأجمعهم مروا على ذلك الوادي، ودل على أن ذلك الوادي معروفٌ بالنمل كوادي السباع ونحوه، ثم أخبر بما دل على شدة فطنة هذه النملة ودقة معرفتها حيث أمرتهم أن يدخلوا مساكنهم المختصة بهم، فقد عرفت هي والنمل أن لكل طائفة منها مسكناً لا يدخل عليهم فيه سواهم، ثم قالت: (لا يحطمنَّكم سليمان وجنوده) [النمل: ١٨] ، فجمعت بين اسمه وعينه، وعرفته بهما، وعرفت جنوده وقائدهم، ثم قالت: (وهم لا يشعرون) [النمل: ١٨] فكأنها جمعت بين الاعتذار عن مضرة الجيش بكونهم لا يشعرون وبين لومة أمة النمل حيث لم يأخذوا حذرهم، ويدخلوا مساكنهم، ولذلك تبسم نبي الله ضاحكاً من قولها، وإنه لموضع تعجب وتبسم.

وقد روى الزهري عن عبد الله بن عبد الله بن عيينة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ((نهى عن قتل النمل والنحلة والهدهد والصرد)) (١) ، وفي


(١) عزاه المجد ابن تيمية في المنتقى ص: ٧٥٩ إلى أحمد وأبي داود وابن ماجة بلفظ: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل أربع: ((النملة، والنحلة، والهدهد، والصرد)) .

<<  <   >  >>