استحضر نملة، وسألها: كم تأكل النملة من الطعام كل سنة؟ فقالت: ثلاث حبات من الحنطة، فأمر بإلقائها في قارورة، وسد فم القارورة، وجعل معها ثلاث حبات حنطة، وتركها سنة بعد ما قالت: ثم أمر بفتح القارورة عند فراغ السنة، فوجد حبة ونصف حبة، فقال: أين زعمك؟ أنت زعمت أن قوتك كل سنة ثلاث حبات.
فقالت: نعم، ولكن لما رأيتك مشغولاً بمصالح بني جنسك حسبت الذي بقي من عمري فوجدته أكثر من المدة المضروبة، فاقتصرت على نصف القوت، واستبقيت نصفه استبقاء لنفسي، فعجب سليمان من شدة حرصها، وهذا من أعجب الهداية والعطية.
ومن حرصها أنها تكدّ طول الصيف، وتجمع للشتاء علماً منها بإعواز الطلب في الشتاء، وتَعَذّرِ الكسب فيه، وهي على ضعفها شديدة القوى، فإنها تحمل أضعاف أضعاف وزنها، وتجره إلى بيتها.
وليس للنمل قائد ورئيس يدبرها كما يكون للنحل إلا أن رائداً يطلب الرزق، فإذا وقف عليه أخبر أصحابه فيخرجن مجتمعات، وكل نملة تجتهد في صلاح العامة منها غير مختلسة من الحب شيئاً لنفسها دون صواحباتها.
ومن عجيب أمرها أن الرجل إذا أراد أن يحترز من النمل لا يسقط في عسل أو نحوه، فإنه يحفر حفيرة ويجعل حولها ماء أو يتخذ إناء كبيراً، ويملؤه ماء، ثم يضع فيه ذلك الشيء، فيأتي الذي يطيف به فلا يقدر عليه، فيتسلق في الحائط، ويمشي على السقف إلى أن يحاذي ذلك الشيء، فتلقي نفسها عليه، وجربنا نحن ذلك.
وأحمى صانع مرة طوقاً بالنار ورماه على الأرض ليبرد. واتفق أن اشتمل الطوق على نمل، فتوجه في الجهات ليخرج، فلحقه وهج النار، فلزم المركز ووسط الطوق، وكان ذلك مركزاً له، وهو أبعد مكان من المحيط ". (١)