للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

نضجت، فلما بدأ موسم الحصاد شاهد صفاً من شغالة النمل لا ينقطع متجهاً نحو العيدان، فيتسلقها إلى أن يصل إلى حبوب الأرز، فتنزع كل شغالة من النمل حبة من تلك الحبوب، وتهبط بها سريعاً إلى الأرض، ثم تذهب بها إلى مخازن تحت الأرض.

بل الأعجب من ذلك أنّ طائفة من النّمل كانت تتسلق الأعواد، فتلتقط الحب، ثم تلقي به، بينما طائفة أخرى تتلقاه، وتذهب به إلى المخازن..

ويعيش هذا النوع من النمل عيشة مدنية في بيوت كبيوتنا ذات شقق وطبقات، أجزاء منها تحت الأرض، وأجزاء فوق الأرض، في هذه المدن نجد الخدم والعبيد.

بل الأعجب من ذلك نجد الممرضات اللاتي تعني بالمرضى ليلاً ونهاراً، ونجد منها من يرفع جثث من يموت من النمل....

يفعل ذلك النوع من النمل كلّ هذا بدون تفكير، إذ يتم بالغريزة التي أودعها الله في أجسامهم الصغيرة.

٥- هداية الهدهد وعجائب صنع الله فيه

ويحدثنا ابن القيم بأسلوبه السهل الأخاذ عن نوع آخر من مخلوقات الله التي لها في كتاب الله ذِكْر، ألا وهو الهدهد، متحدثاً عن هداية الله له فيقول:

" وهذا الهدهد من أهدى الحيوان وأبصره بمواضع الماء تحت الأرض، لا يراه غيره، ومن هدايته ما حكاه الله عنه في كتابه أنه قال لنبي الله سليمان، وقد فقده وتوعده، فلما جاء بَدَره بالعذر قبل أن ينذره سليمان بالعقوبة، وخاطبه خطاباً هيجه به على الإصغاء إليه والقبول منه، فقال: (أحطت بما لم تُحط به) [النمل: ٢٢] ، وفي ضمن هذا أني أتيتك بأمر قد عرفته حق المعرفة بحيث أحطت به، وهو خبر عظيم له شأن، فلذلك قال: (وجئتك من سبإ بنبإٍ يقينٍ) [النمل: ٢٢] ، والنبأ هو الخبر الذي له شأن، والنفوس متطلعة إلى

<<  <   >  >>