معرفته، ثم وصفه بأنه نبأ يقين، لا شك فيه ولا ريب، فهذه مقدمة بين يدي إخباره لنبي الله بذلك النبأ استفرغت قلب المخبر لتلقي الخبر، وأوجبت له التشوق التام إلى سماعه ومعرفته، وهذا نوع من براعة الاستهلال وخطاب التهييج.
ثم كشف عن حقيقة الخبر كشفاً مؤكداً بأدلة التأكيد، فقال:(إنّي وجدت امرأةً تملكهم)[النمل: ٢٣] ، ثم أخبر عن شأن تلك الملكة، وأنها من أجلّ الملوك بحث أوتيت من كل شيء يصلح أن تؤتاه الملوك، ثم زاد في عظيم شأنها بذكر عرشها الذي تجلس عليه، وأنه عرش عظيم، ثم أخبره بما يدعوه إلى قصدهم، وغزوهم في عقر دارهم بعد دعوتهم إلى الله، فقال:(وجدتُّها وقومها يسجدون للشَّمس من دون الله)[النمل: ٢٤] .
وحذف أداة العطف من هذه الجملة، وأتى بها مستقلة غير معطوفة على ما قبلها، إيذاناً بأنها هي المقصودة، وما قبلها توطئة لها، ثم أخبر عن المغوي لهم، الحامل لهم على ذلك، وهو تزيين الشيطان لهم أعمالهم، حتى صدهم عن السبيل المستقيم، وهو السجود لله وحده، ثم أخبر أن ذلك الصد حال بينهم وبين الهداية والسجود لله الذي لا ينبغي السجود إلا له.
ثم ذكر من أفعاله - سبحانه - إخراج الخبء في السماوات والأرض، وهو المخبوء فيهما من المطر والنبات والمعادن وأنواع ما ينزل من السماء، وما يخرج من الأرض، وفي ذكر الهدهد هذا الشأن من أفعال الرب تعالى بخصوصه إشعار بما خصه الله به من إخراج الماء المخبوء تحت الأرض.
قال صاحب الكشاف: وفي إخراج الخبء إمارة على أنه من كلام الهدهد لهندسته ومعرفته الماء تحت الأرض، وذل بإلهام مَنْ يخرج الخبء في السماوات والأرض جلت قدرته ولطف علمه، ولا يكاد يخفى على ذي الفراسة الناظر بنور الله مخايل كل شخص بصناعة أو فن من المعلم في روائه ومنطقه وشمائله، فما عمل آدمي عملاً إلا ألقى عليه رداء عمله ".