يعرف مثله أصحاب التجارب والتكسب؟ قال: علمني الله ما علم الحمامة تقلب بيضها حتى تعطي الوجهين جميعاً نصيبهما من حضانتها، ولخوف طباع الأرض على البيض إذا استمر على جانب واحد.
وقيل لآخر: مَنْ علمك اللجاج في الحاجة والصبر عليها وإن استعصت حتى تظفر بها؟ قال: مِنْ علم الخنفساء إذا صعدت في الحائط تسقط، ثم تصعد، ثم تسقط مراراً عديدة، حتى تستمر صاعدة.
وقيل لآخر: مَنْ علمك البكور في حوائجك أول النهار لا تخل به؟ قال: من علم الطير تغدو خماصاً كل بكرة في طلب أقواتها على قربها وبعدها، لا تسأم ذلك، ولا تخاف ما يعرض لها في الجو والأرض.
وقيل لآخر: مَنْ علمك السكون والتحفظ والتماوت حتى تظفر بأربك، فإذا ظفرت به وثبت وثوب الأسد على فريسته؟ فقال: الذي علم السِّنَّورة أن ترصد جحر الفأرة، فلا تتحرك ولا تتلوى، ولا تختلج كأنها ميتة، حتى إذا برزت لها الفأرة وثبت عليها كالأسد.
وقيل لآخر: مَنْ علمك الصبر والجلد والاحتمال وعدم السكون؟ قال: من علم ابا أيوب صبره على الأثقال والأحمال الثقيلة، والمشي والتعب وغلظة الجمّال وضربه، فالثقل والكل على ظهره، ومرارة الجوع والعطش في كبده، وجهد التعب والمشقة ملأ جوارحه ولا يعدل به ذلك عن الصبر.
وقيل لآخر: مَنْ علمك حسن الإيثار والسماحة بالبذل؟ قال: من علم الديك يصادف الحبة في الأرض، وهو يحتاج إليها فلا يأكلها؛ بل يستدعي الدجاج ويطلبهن طلباً حثيثاً، حتى تجيء الواحدة منهن فتلقطها، وهو مسرور بذلك طيب النفس به، وإذا وضع له الحب الكثير فرّقه هنا وها هنا، وإن لم يكن هناك دجاج، لأن طبعه قد ألف البذل والجود، فهو يرى من اللؤم أن يستبد وحده بالطعام.
وقيل لآخر: مَنْ علمك هذا التحيل في طلب الرزق ووجوه تحصيله؟ قال: من علم الثعلب تلك الحيل التي يعجز العقلاء عن علمها وعملها، وهي أكثر من أن تذكر.