قال الشاطبي في الاعتصام (٢/ ٨١٦ - ٨١٨): إن الله تعالى أنزل الشريعة على رسوله - صلى الله عليه وسلم - فيها تبيان كل شيء يحتاج إليه الخلق في تكاليفهم التي أمروا بها وتعبداتهم التي طوقوها في أعناقهم، ولم يمت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى كمل الدين بشهادة الله تعالى بذلك، حيث قال تعالى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً} فكل من زعم أنه بقي في الدين شيء لم يكمل فقد كذب بقوله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}.
فلا يقال قد وجدنا من النوازل والوقائع المتجددة ما لم يكن في الكتاب ولا في السنة نص عليه ولا عموم ينتظمه، وأن مسائل الجد في الفرائض والحرام في الطلاق ومسألة الساقط على جريح محفوف بجرحى وسائر المسائل الاجتهادية التي لا نص فيها من كتاب ولا سنة، فأين الكمال فيها؟.
فيقال في الجواب:
أولا: إن قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} إن اعتبرت فيها الجزئيات من المسائل والنوازل فهو كما أوردتم ولكن المراد كلياتها فلم يبق للدين قاعدة يحتاج إليها في الضروريات والحاجيات أو التكميليات إلا وقد بينت غاية البيان. نعم يبقى تنزيل الجزئيات على تلك الكليات موكولا إلى نظر المجتهد، فإن قاعدة الاجتهاد أيضا ثابتة في الكتاب والسنة فلا بد من إعمالها ولا يسع تركها، وإذا ثبت في الشريعة اشعرت بأن ثم مجالا للاجتهاد ولا يوجد ذلك إلا فيما لا نص فيه.
ولو كان المراد بالآية الكمال بحسب تحصيل الجزئيات بالفعل فالجزئيات لا نهاية لها فلا تنحصر بمرسوم. وقد نص العلماء على هذا المعنى فإنما المراد