الثاني: وقوع الإذن من الدولة أن تكون نصوص الشريعة الثابتة في المغرب جارية على مقتضى نص الكتاب الشريف وحينئذ لا يكون فرق أمام الشريعة بين الرعية المسلمين وغيرهم، ولا يكلف اليهود بتلك الأمور، ولا يمنعون من الحقوق السياسية، وتكون لهم الحرية في جميع الأشغال كغيرهم من المسلمين، وأنه إن وقع ذلك يظهر نفعه للكرسي الشريف وإيالته، ويفتح بذلك باب جديد من السعادة، إلى آخره.
فاعلموا أن ما ذكرتم من أن والدنا المقدس أعطى دلائل كثيرة من سماحته وإحسانه لغير المسلمين، وأنكم طامعون أن يكون لكم حرص على ذلك، مثل ما طلبه البابص الكبير من إجراء حرية الأديان في المغرب: هو في هذا الوقت متعسر بل متعذر، وقد عرضنا ذلك على أعيان الدولة: علماء ديننا فنفروا منه وأنفوه، إذ لم يعتادوه في دينهم ولا عرفوه، وقالوا إن العمل بذلك على الإطلاق، يؤدي إلى كثرة الفتن والهرج والشقاق.
واحتجوا بأن الأمر الشائع المشهور، المقرر لدى الخاصة والجمهور، أن دين الإسلامية (١): الأمة المحمدية منقول بالسند الصحيح المتواتر، من أوله إلى الآن رواية الأكابر عن الأكابر، خصوصية تفضل بها الحق سبحانه حسبما اقتضته حكمته، وأبرزته عن سابق علمه وإرادته وقدرته، يريد به كتابه القرآن العظيم، الذي {لَا يَاتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}[فصلت٤٢]، تكفل الله به فهو محفوظ على ممر الأزمان، لا يلحقه تبديل ولا تغيير ولا يطرق ساحته بهتان.