وعليه فحرية الأديان بالمعنى المعروف عند من قال بها، والحالة المقررة الشهيرة عند أربابها، خارجة عن الدين بالدليل والبرهان، مضادة له كما لا يختلف فيه اثنان، فلا سبيل إلى العمل بها، وإلا تبطلت الشريعة ولم يبق تعويل عليها.
وما ذكرتم من أن السلطان العثماني وافق على ذلك وأثبته من بعده، وأن السلطان سيدي محمد أنعم على موشي بكتاب التحرير: أجابوا عنه بأن ذلك ـ على فرض وجوده وصحته ـ لا يلزم الأمة، لما تقرر من أن المدار على ما ثبت بطريقته المعلومة وخصوصيته، والأمر في هذا بخلاف ذلك، فلا سبيل إلى العمل بما هنالك.
وأيضا قد تقرر أن من قواعد دين الإسلام، وأركانه الشهيرة عند الخاص والعام، أن العلماء حكام على الملوك، والأمراء حكام على الناس، فتصرفات الملوك تعرض على الشرع، فما وافقه منها يقبل ويعتمد، وما لا فلا، إذ من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد، كما ورد، على أن كتاب التحرير المشار إليه ـ إن لم يصرح فيه بشيء خاص ـ يمكن حمله على التحرير من أمور العمل بها غير مناف للدين، ولا خارج عن سنن المهتدين.
ومما تواتر واشتهر بين الناس، أنكم معاشر الأجناس، لا تسعون في هدم قاعدة لإصلاح أخرى، ولا توافقون على ذلك، إنما المسموع عنكم المذكور، سيما عند صدور هذا الجمع المشهور، أنكم تحافظون على إبقاء كل دين على قواعده الأصلية، وسير أهله على شروطه المقررة المرعية، إذ بذلك يكمل التوافق ويقع الانتظام ويقل الهرج في الأقطار بين الأنام.