للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما ما ذكرتم من أن حضرة والدنا المقدس أعطى دلائل كثيرة من سماحته وإحسانه لغير المسلمين، وأنكم طامعون في جانبنا أن يكون لنا حرص على ذلك مثل العثماني، فالأمر كما حكيتم وطمعتم، إذ لا نحب لهؤلاء إلا الخير التام، والإحسان العام، وعلى ذلك كان عملنا معهم فيما فات من الزمان، وعليه يكون عملنا فيما يأتي، بل نريد معهم في الخير بحول الله على ما كان، فنظرتكم فيهم ووصيتكم عليهم تراعى ولا تهمل.

غير أن ذلك يناسب أن يكون فيما لا يتفاقم فيه الأمر، أما إن أحدث على الرعية الأمر الذي لا يألفوه فيرد ولا يقبل، والتأني في الأمور ومباشرتها بالرفق، هو مجمع الخير، وضده: في العجلة والخرق.

وأما أمر المساواة أمام الشريعة فإن كان المراد من ذلك التسوية أمام الشريعة بحيث لا يفضل أحد أيا كان على واحد، ولا يلحق البعض من البعض ظلم ولا جور: فهذا أمر جاءت به شريعة الإسلام، ولم يزل معمولا به من أول الإسلام حتى الآن، فمن خالفه حاد عن الحق وتعرض للملام، وإن كان المراد غير ذلك من أوجه التسوية كتناكح أو شهادة أو لباس أو مركب أو غير ذلك، فهذا أمر فيه بيننا وبينهم شروط ـ من ابتداء عقد الذمة من خليفة نبينا سيدنا عمر - رضي الله عنه - ثابتة الدعائم محكمة الربط (١)، لا يمكن أن يفعل فيها ما يخالف الدين، وإلا كان فاعله في ديننا من الملحدين، وعلى ذلك كان لهم السكنى معنا والاستقرار، والمعاملة والمخالطة في الأسواق والطرق والديار.

وما ظلم من أبقى ما كان واتبع، وإنما الظالم من خالف ما كان وابتدع.


(١) في الأصل: الربوط. ولعل الصواب ما ذكرت.

<<  <   >  >>